لعل من القضايا الأكثر أهمية لأغلب حكومات الدول والمنظمات ذات الطابع الرقابي والبيئي هي تلك المتعلقة بسلامة الغذاء والبيئة، حيث تتبادل التأثير فيما بينها بشكل يصعب معرفة تأثيراتها وانعكاساتها على الصحة العامة مع معرفة توفر الغذاء وسلامته المرتبط باقتصاد الأسواق والأنظمة التجارية والاقتصادية التي تكون متداخلة مع بعضها بشكل كبير، فالممارسات والأنشطة المختلفة من الدول بوصفها حكومات، أو من المجتمع وأفراده أصبحت تمثل تهديدا مستمرّا لصحة البيئة وسلامة الغذاء، وكما يقال فـ «إن سلامة الغذاء من سلامة البيئة» مما يعني سلامة واستدامة الموارد الطبيعية والبيئية، كسلامة التربة والمياه وكل ما يُعرَف بالأنظمة الأيكولوجية بصفة عامة.
ذلك أن سلامة الغذاء تتأثر بشكل كبير بالبيئة المحيطة من جانب، فملوثات التربة والمياه والهواء قد تجد طريقها الى المحاصيل الزراعية والخضار والأسماك وغير ذلك، ومثال ذلك ري المحاصيل والمزروعات بمياه الصرف الصحي غير المعالجة والملوثة بالعناصر الثقيلة )Heavy metals( والميكروبات الممرضة، وقد أشارت كثير من الدراسات والأبحاث بشكل قاطع إلى انتقال الملوثات من البيئة إلى الغذاء ومنها إلى الإنسان )المستهلك(، كتلوث البيئة المائية بالمعادن الثقيلة التي قد يحصل لها تراكم حيوي في الأسماك والأحياء المائية الأخرى.
ومن جانب آخر نجد أن هناك العديد من المعاملات والعمليات التي ينبغي أن تُجرى من أجل ضمان سلامة الغذاء وجودته، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على صحة البيئة وسلامتها، مثل: طريقة التخلص من مياه الصرف الصحي الناتجة عن عمليات التصنيع الغذائي التي تأخذ طريقها إلى البيئة )المسطحات المائية والبرك والتربة......الخ( بشكل مباشر أو غير مباشر، مسببة ما يسمى بالإخصاب المفرط للبيئة )Eutrophication( وذلك لارتفاع محتواها من المغذيات العضوية المختلفة، إضافة الى مواد التعبئة والتغليف التي تُصنع بشكل أساسي من بوليمرات غير قابلة للتحلل الحيوي، وتنتج هذه المغلفات بكميات هائلة جداً من أجل حفظ جودة وسلامة الأغذية، كذلك قضية المنتجات المعدلة وراثياً ومخاطرها على البيئة مما يمثّل تهديدا متصاعدا على النظام الصحي والبيئي، فحدوث الطفرات الوراثية في المنتجات الزراعية قد تُحدث خطورة من المستحيل التنبؤ بالخلل الذي قد ينجم عنها ويؤثر على التوازن البيئي الذي يكون من الصعب إصلاحه، كانتقال الجينات المقاومة للمبيدات من النباتات المعدلة وراثيا إلى الأعشاب البرية الضارة بالزراعة، مما يمكّن نموها بشكل سريع ويحفّز مقاومتها للمبيدات المضادة لها، إضافة إلى هلاك الحشرات النافعة كالنحل عند تغذّيها على البروتينات في أزهار النباتات المحورة جينيا، وغير ذلك من التأثيرات السلبية.
ولدعم أهمية ما تقدم، فإن حكومة المملكة أولت اهتماما كبيرا لهذه المخاطر البيئية، وتمثَّل هذا الاهتمام في إصدار قرار من مجلس الوزراء عام 1439 هـ بتحديد أسبوع خاص بالبيئة ودعوة جميع القطاعات الحكومية والخاصة والجمعيات البيئية إلى زيادة التثقيف البيئي ونشر رسائل التوعية والتشجيع على السلوكيات الإيجابية تجاه البيئة، مثل: تقليل الهدر الغذائي، وترشيد استهلاك الطاقة والمياه، واستخدام المنتجات المستدامة، وغيرها من الأنشطة والفعاليات الأخرى.
ناصر بن عبد اللطيف الشبيب
أستاذ سلامة الغذاء المشارك
إضافة تعليق جديد