ما واقع ( أنسنة المدن) في ظل رؤية 2030 ؟

ثقافية رسالة الجامعة تسأل :

 

رسالة الجامعة ـ أريج السويلم:

يجيب أ.خالد العضياني  طالب الدراسات العليا والباحث في مجال التنمية المستدامة قائلًا :

لقد أولت الحضارات القديمة اهتماماً بالغاً بعمارة المدن وتشييدها، فلا تكاد تذكر حضارة قديمة إلا ويذكر نماذج من بلدانها ومدنها الشامخة، وقد وصل بهم الأمر إلى أن وضعوا كل ما أوتوا من قوة في بناء وتشييد مدنهم، ويضرب الله لنا الأمثال في حضارة عادٍ وبنيانهم؛ إذ قال تعالى: ﴿أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ۝إِرَمَ ذاتِ العِمادِ۝الَّتى لَم يُخلَق مِثلُها فِى البِلٰدِ﴾ [الفجر: ٦-٨]. ثم لم تنته العصور الوسطى والحديثة عند هذا الحد من التقدم في ازدهار المدن وإنمائها، وإنما وصل بهم المسير إلى أن وضعوا المدارس العلمية والنظريات الحديثة التي تخدم مجال البناء والعمارة، وتهدف إلى نمو المدن وتطويرها.

والمدن جمع مدينة والمدينة هي فضاء عام يحتوي على شريحة كبيرة من السكان في منطقة جغرافية ما؛ ولأولئك السكان كل الحق في أن تتوفر لهم الحاجات الاجتماعية من الخدمات التي تسهل لهم العيش على النمط الذي يرغبون به في ذلكم الفضاء، ومن هذه الحاجات الرفع من مستوى تحضر المدينة وتحسين مظهرها العام وتهيئة الحياة الاجتماعية الآمنة للسكان فيها.

وفي مطلع العام الميلادي ٢٠١٦ أقرت منظمة الأمم المتحدة إستراتيجية التنمية المستدامة وأهدافها، ومن ضمن هذه الأهداف البالغ عددها ١٧ هدفاً؛ الهدف رقم ١١ بمسمى «مدن ومجتمعات محلية مستدامة». وما إن أصبح بلوغ هذا الهدف مؤشراً تقاس به التنمية في المدن؛ سارعت الدول والحكومات لوضع المخصصات وتسخير الصعوبات وبذل كافة الإمكانات من أجل الوصول إلى هذا الهدف، لتبلغ به غاية هذه التنمية المنشودة، فأصبح لزامًا على المدن أن تراعي في برامجها وخططها التنموية صحة الإنسان وتسعى إلى ما يزيد من رفاهيته، وتنبذ وتحارب العشوائية التي تهدد أمنه وسلامته.

فجاءت رؤية المملكة ٢٠٣٠ بخططها وبرامجها الشاملة التي تراعي فيها الإنسان لتطلق (برنامج مستقبل المدن السعودية) الذي «يسعى إلى تطوير رؤية جديدة وإطار تخطيط إستراتيجي للمستقبل الحضري المستدام في المملكة وتوفير مدن مزدهرة منتجة وعادلة وشاملة اجتماعيًا ومستدامة بيئيًا، وذات بنية تحتية كافية ومناسبة وذات جودة حياتية مرتفعة». (انظر المنصة الوطنية الموحدة للخدمات الحكومية) رابط إلكتروني: http://www.my.gov.sa/

وهذا ما يسمى بـ «التنمية الشاملة» أو «النمو المتكامل».

ثم إن من برامج الرؤية الكريمة أيضًا (برنامج جودة الحياة) الذي يُعنى بقياس مستويات الرضا فيما يتعلق بالجوانب الأكثر أهمية من حياة الفرد حسب معايير ومؤشرات محددة. (انظر وثيقة برنامج جودة الحياة ص٨). ويعرفه الدكتور رشود الخريف بقوله: « مفهوم جودة الحياة في المدن يشير إلى التكامل بين تنمية المكان وحياة الإنسان بما يحقق خيارات واسعة من الترفيه والاستمتاع والسعادة للسكان، نتيجة تحسين البيئة العمرانية من النواحي المادية والاجتماعية». (انظر صحيفة الاقتصادية رقم العدد ١٠٣٤٥ ص١٢). فقد نصت وثيقة برنامج جودة الحياة على تحديد خمس فئات ضمن مفهوم «قابلية العيش» التي تغطي جوانب الحياة الرئيسية؛ ومنها: «الإسكان والتصميم الحضري والبيئة». (انظر وثيقة برنامج جودة الحياة ص١٠). وظهر ما يسمى بمصطلح (أنسنة المدن) وتعريفه بمعنى عام: أي جعل المدن ملاءمة أكثر للعيش، ومن ذلك بناء وتخطيط مدينة ذات بيئة حضارية وعمرانية صديقة للإنسان، والسعي في تحقيق مستويات عالية من الرخاء ورغد العيش.

فالعمل على تطبيق مفهوم (أنسنة المدن) جاء ليرفع من مستويات التحضر ومعدلات النمو وهو يواجه بذلك صعوبات وتحديات كبيرة، ويجب أن يقوم على اعتبارات تتوافر فيها كل الشروط المجتمعية مثل أن يكون مشتملًا على أوجه تضمن درجة كبيرة من مستوى الرضا العام؛ ومن هذه التحديات توفير أكبر عدد ممكن من فرص المساكن عالية الجودة، وخلق مشاهد ونماذج حضرية وبيئية على الوجه المناسب من النمط الديني والاجتماعي والثقافي لكل مدينة، وعلى هذا فإن أمانات المدن والجهات ذات العلاقة  تضع برامجها في حدود الأطر والسياسات الاجتماعية وذلك بتطبيق دور ما يسمى بـ (المشاركة المجتمعية) رغبة في تحقيق متطلبات المجتمع.

فالمجتمع هو مصدر القوى العاملة التي تدير مختلف الأنشطة الاقتصادية في المدينة، فالعلاقة بين تطور المجتمعات والنشاط الاقتصادي علاقة طردية؛ فكلما زاد المجتمع في تطوره أدى ذلك لازدهار النشاط الاقتصادي في المدن، ولهذا وُضِع «البعد الإنساني» نصب عيني برنامج (أنسنة المدن) ليرفع من نسبة الجوانب الإنسانية ذات الأولوية في حياة الفرد بما يتحقق مع معايير برنامج جودة الحياة، ويعزز من الفرص الترفيهية والأنشطة الثقافية المختلفة في الفنون الأدبية والمسرحية وغيرها، مراعياً بذلك القيم والأخلاق الإسلامية والهوية الوطنية المجتمعية التي مبدأها الوسطية والتسامح.

ومن مشاريع الأنسنة المشاهدة على أرض الواقع؛ مشروع الملك عبد العزيز للنقل العام بمدينة الرياض، الذي يعد أحد المشاريع الضخمة من نوعه على مستوى العالم، و يهدف إلى ربط شبكة النقل المتكاملة في المدينة بشقيه (القطار والحافلات) المزودة بالتقنية الحديثة التي تحافظ على البيئة الطبيعية والحضرية، ويعوّل عليه في تخفيف الاختناقات المرورية، وعسى أن يقلل من الاعتماد على المركبات الخاصة، وهذا بدوره يحد من نسبة انبعاثات الكربون الصادر من عوادم المركبات، مما يضمن لنا جودة الهواء داخل المدينة، والمشروع الآن بصدد الإطلاق.

ومن المشاريع أيضًا بناء مناطق سكنية تتميز بتصميم حديث وأسلوب عصري مثل مجمع ضاحية الفرسان السكني، وحي سدرة السكني شمال وشمال شرق مدينة الرياض، وكذلك تجهيز مواقع مختلفة من المدينة بتهيئة الأرصفة والممرات لتعزيز رياضة المشي من خلال وضع مسارات مخصصة للمشاة كذلك تحديد مسارات للدراجات، والتشجير وزيادة مساحة الغطاء النباتي والمسطحات الخضراء والحدائق مثل الذي نشاهده على طريق الأمير محمد بن سعد شمال مدينة الرياض، وغيرها الكثير من المشاريع الضخمة والمبادرات التي تقوم عليها أمانة مدينة الرياض.

ومن المشاريع المعلن عنها مشروع حديقة الملك سلمان في وسط مدينة الرياض الذي يهدف إلى المساهمة في تقديم خيارات متنوعة من الترفيه والرياضة والثقافة والفنون لسكان المدينة وزوارها بمساحة إجمالية تزيد على ١٦ كيلو٢ (الهيئة الملكية لمدينة الرياض) رابط إلكتروني: http://www.rcrc.gov.sa/ .

ومشروع مدينة القدية الترفيهي الفريد من نوعه، ومشروع الدرعية التاريخية، ومشروع الرياض الخضراء الذي يهدف إلى زراعة ما يربو عدده على سبعة ملايين شجرة وزيادة عدد الحدائق والمسطحات الخضراء في كافة أرجاء المدينة، ومشروع المسار الرياضي على طريق الأمير محمد بن سلمان، ومشروع المربع الجديد في مدينة الرياض المعلن عنه مؤخراً، ومشاريع أخرى ضخمة لمدن مؤنسنة كليًا مثل مدينة ذا لاين، ومشروع مدينة نيوم بمنطقة تبوك، وغيرها من المشاريع والبرامج المعلنة في مختلف مدن مملكتنا الحبيبة.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA