الصيام طاقة روحية وسيطرة على كيمياء الغضب

 
تؤثر الانفعالات والمشاعر السلبية مثل الغضب والحقد والكره وغيرها على الوظائف الحيوية لجسم الإنسان، فتسبب الإصابة بأمراض عديدة.
فهذه المشاعر السلبية تسبب اختلال التوازن الكيميائي داخل الجسم، فتؤدي إلى اضطراب الكيمياء العصبية وعدم انتظام نبض القلب، فتحدث الإصابة بالسكتات الدماغية والأزمات القلبية والموت البغتة.  بينما المشاعر الإيجابية مثل الفرح والسرور والتفاؤل وغيرها تحدث أثرا جيداً على صحة الإنسان. 
ويعد الصيام من معززات المشاعر الإيجابية، وهو نوع من الاتصال الروحي برب العالمين، فيتم تدعيم القوى الروحية والمشاعر الإيجابية، وبذلك يتحقق للإنسان الطمأنينة والاسترخاء الجسدي والنفسي.  وكي يتم ذلك لابد أن يتصف الصائم بسعة الصدر وكظم الغيظ والعفو عن الناس والسيطرة على مشاعر الغضب وغيرها من المشاعر السلبية. ففي حالات الغضب والمشاعر المصاحبة له، تنتقل الإشارات الكيميائية إلى المخ، فتُرسل الغدة النخامية إشارات إلى الغدة الكلوية، فتفرز هرمونات الأدرينالين والكورتيزون وغيرها من هرمونات القلق والتوتر بغزارة، فينتج عن ذلك تغيرات كيميائية حيوية تسبب الميول العدوانية وعدم السيطرة على النفس. 
وباستمرار الغضب يزداد إفراز تلك الهرمونات التي قد تسبب الإصابة بالأمراض النفسية والجسدية، مثل الاكتئاب، والسكري، وارتفاع الكولسترول، والذبحة الصدرية، وتصلب الشرايين، والأمراض النفسية وغيرها من الأمراض.  
على العكس من ذلك يساعد الصيام على السيطرة على الغضب وكظم الغيظ والتخلص من الحقد وغيره من أمراض القلب الحسية والمعنوية. وبذلك يضيء الصيام الطريق للإنسان كي يصل إلى السلام الجسدي والنفسي والسعادة الروحية.  قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ اللَّهُ: )كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ(.  وعندما يقترن الصيام بتلاوة القرآن الكريم وتدبره، يزداد الصائم فرحا وسرورا، قال الله تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فبذلك فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ(.
وبذلك يحدث الصيام وتلاوة القران تأثيرا تعاضديا على مشاعر الفرح والسرور، فيزداد إفراز البيتا الأندروفين والدوبامين السيروتونين وغيرها من هرمونات السعادة، فيحدث التوزان الكيميائي، وتتحسن الحالة المزاجية، ويشعر الإنسان بالسكينة، ويتم إصلاح الحمض النووي والتجدد الخلوي.
كما يحد الفرح والسرور من هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين وغيرها، وذلك يعزز السمو الروحي، ويكون الإنسان أقل عرضة للإصابة بالقلق والتوتر والإصابة بالأزمات القلبية وغيرها من الأمراض.
كما أكدت الدراسات الحديثة أن الصيام من العوامل القوية لتنشيط عوامل التغذية العصبية. وذلك من الضروريات لتجديد وتحول الخلايا الجذعية العصبية إلى خلايا جديدة وتحسين مستويات هرمون الميلاتونين الذي يدعم الخلايا العصبية، وبذلك يسهم الصيام في خلق بيئة مثالية لتجديد وتكوين الخلايا العصبية، وزيادة القدرات المعرفية، ومنع أمراض الشيخوخة. 
 

أ. د. جمال الدين إبراهيم هريسه

              أستاذ الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية - كلية الصيدلة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA