كيف يمكن للتاريخ أن يساعدنا على بناء مستقبل أفضل؟

ثقافية رسالة الجامعة تسأل :

 

رسالة الجامعة – أريج السويلم

تجيب الأستاذة سامية بنت صالح الشبلان من قسم التاريخ، والمتخصصة في تاريخ الشرق الأدنى القديم قائلة :

يمثل التاريخ أهمية كبرى في حياتي بل في حياة كل إنسان، فالتاريخ هو الذي يحكي قصة الحضارة البشرية في عصورها المختلفة، ومراحل بناء الفكر الإنساني وتطوره، وبواكير تفجر طاقات العقل البشري  بالاختراعات والاكتشافات التي قادت للثورات الصناعية التي شهدها العالم، فكانت أولى الثورات الصناعية في العصور الحجرية.

والتاريخ هو الذي يتيح لنا رؤية الماضي بكل تفاصيله، خاصة الأحداث الكبرى التي غيرت حياة البشرية، وهو الذي يؤكد دائمًا في حركته المستمرة على حتمية التغير والتحول والتبدل والتطور، فالكون كله يخضع لتغيرات مستمرة ومتتالية ومتسارعة، والبشرية في تطور مستمر والحضارة والمدنية تنتقل من جيل إلى جيل، وكل جيل لابد أن يساهم في تطوير الحضارة البشرية وتحسينها وتجويدها بما يضيفه من أفكار ومعارف وعلوم ومخترعات.

فالتاريخ اليوم في حاضرنا يقدم لنا تفسيرات صحيحة للأحداث الماضية وأفضل التجارب والخبرات والحلول التي تقود إلى التحول والتقدم والنمو الاقتصادي والاجتماعي؛ فمعرفة الجذور التاريخية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية بل والخلافات والنزاعات السياسية والعسكرية يساعد على الفهم العميق لأصل المشكلة، ويقدم الحلول الممكنة المجربة، وهذا يساهم في تجنب أخطاء الماضي وحجب وصول آثارها إلى المستقبل.

وفي معرفة الجذور التاريخية للحضارات البشرية القديمة فائدة كبرى تكمن في معرفة عوامل نشأة الحضارات والثقافات والوسائل التي استخدمها القدماء للحفاظ على التقدم والتطور والاستقرار.

ثم إن التاريخ والماضي المشترك لأمة من الأمم وشعب من الشعوب يصنع الهوية المجتمعية المشتركة، ويوحد الدوافع، ويعمق فكرة الوطن الواحد والمصير المشترك، وهذا أمر مهم للغاية في تعزيز قيم المواطنة الشريفة وبناء المواطن المسؤول.

وتكمن قدرة التاريخ على صناعة المستقبل عندما يجعلنا التاريخ أقدر على فهم الحاضر الذي نعيشه فهمًا صحيحًا وعميقًا، معتمدين على فهمنا للماضي، هذا الفهم الذي يحدد موقعنا من العالم، ويحدد الأهداف والتطلعات، ويرسم رؤية المستقبل الواضحة. فمعرفة الحاضر معرفة دقيقة بجميع ما في هذا الحاضر من الفرص والتحديات والثروات والموارد والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبيئة يساهم بشكل فاعل وكبير في حل تلك المشاكل على المدى القصير أو الطويل، ومن ثم سن القوانين والأنظمة لجميع أجهزة الحكومة والمؤسسات والهيئات.

وعبر التاريخ كانت الدول التي تسعى لتطوير الأنظمة الإدارية فيها إيمانًا بدور ذلك التطوير في تطوير الدولة كلها، وحفظت لنا كتب التراث الكثير من كتب الإدارة والتخطيط.

ويصنع التاريخ مستقبلًا أفضل عندما يحفزنا على الاهتمام بتخطيط وبناء المدن، والتركيز على المدن الاقتصادية بشكل خاص، فقد تسابقت الحضارات القديمة كلها في بناء المدن الجاذبة للسكان والتجارة والاستثمار.

وحرصوا في الماضي أشد الحرص على توفير المرافق والخدمات في تلك المدن من المكتبات، والمسارح، والحمامات العامة، والحدائق والأسواق، وحققت كثير من المدن الاقتصادية ثراءً فاحشًا في الشرق الأدنى القديم كله وفي الجزيرة العربية القديمة، وكان اقتصاد بعض المدن يوازي اقتصاد دولة كاملة.

ويصنع التاريخ وجهًا مشرقًا للمستقبل في مجال الترفيه والرياضة أيضًا، مستحضرًا تركيز كثير من الحضارات الإنسانية والدول السابقة في مدارج التقدم والازدهار على الألعاب الرياضية المختلفة، ووضع الجوائز الكبرى في المنافسات والسباقات، إلى جانب توظيف المسرح، والقصص، والحكايات، والرقص، والموسيقى، وفنون أخرى تتصل بالترفيه عند الإنسان.

أما في مجال الاكتشاف والاختراعات والتقدم العلمي والفكري فمن غير التاريخ يروي لنا قصة الحضارة الخالدة وسباق الدول في مضمار التقدم العلمي؟ ومتاحف العالم اليوم تشهد على ذلك بما تحويه من اكتشافات واختراعات كبرى خدمت الإنسانية.

والتاريخ يركز كثيرًا على التخطيط للمستقبل والرؤية البعيدة الثاقبة؛ فالتخطيط للمستقبل كان حاضرًا وواضحًا في فكر الملوك والقادة والأبطال والفلاسفة عبر التاريخ. وما تحقق من حضارة عظيمة ولا نهضة كبرى في تاريخ دولة من الدول إلا نتيجة للمستقبل الذي رُسم في خيال عظمائهم وصنع بجهود أبنائهم فكانت تلك هي رؤيتهم وخططهم التنموية.

تلك أمم ساعدهم تاريخهم وتفوقهم الحضاري على صناعة مستقبل مشرق، وسيكون مستقبلنا أكثر إشراقاً - إن شاء الله - فلنا حاضر زاهر وماض تليد.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA