برز في الآونة الأخيرة مفهوم «أنسنة المدن»، وهو مفهوم يهدف إلى تعزيز البعد الإنساني في بناء المدن، ويؤسس بشكل كبير لحيوية المجتمعات واستدامتها، وجعل الحياة في المدن أكثر جاذبية ورعاية إنسانية، وهو مفهوم يعمل على تلبية الاحتياجات الوظيفية والمعنوية للإنسان مستخدم المكان. وقد تبنت مدن المملكة العربية السعودية مفهوم الأنسنة، وفي عام 1439هـ/ 2018م، عُقِد المؤتمر الدولي بالمدينة المنورة، وتبنى مفهوم أنسنة المدن، وناقش أطر تطوير العمران والعناية به وفق معايير جمالية وهندسية عالمية مستمدة من تراث مجتمع المدينة المنورة وهويتها العمرانية وخصوصيتها الدينية.
الجدير بالذكر ما ورد في كتاب «تعزيز البعد الإنساني في العمل البلدي- الرياض أنموذجاً»، للدكتور عبد العزيز بن عياف، من تعريف لأنسنة المدن بأنه «مفهوم ونمط لأسلوب معيشة وحياة، يمثل التحول من المكان الصامت إلى المكان الفاعل الذي تنتج فاعليته من تشكله في نسيج عمراني، ييسر للإنسان صنع مسيرته الشخصية، ويحقق للجماعة تشكيل هويتها الاجتماعية». وفي ضوء ذلك سارت مدينة الرياض عبر مسيرة ناجحة في تطبيقات مفاهيم الأنسنة، ووفق نهجٍ يقوم على تنفيذ مبادرات ذكيَّة وخلَّاقة تضع الإنسان في مقدمة أولويات التنمية والتطوير، وقد شملت المبادرات مجالات مختلفة للتنمية الثقافية والبيئية والتريض والعمل البلدي، وغيرها. وهذه المبادرات بلمساتها العمرانية انصبت بالأساس على تلبية رغبات الناس وساهمت إيجابياً في جعل مدينة الرياض أكثر ملاءمة وحيوية لروادها وساكنيها.
برزت خلال هذه المبادرات مجموعة من المبادئ لتفعيل نهج الأنسنة بالمجتمعات، شملت أولا: مراعاة «المقياس الإنساني» في عناصر التصميم والتشكيل العمراني، وما يتبعه من تهيئة للبيئة المبنية التي يعيش فيها الإنسان. ثانياً: «الألفة»، وما يتبعها من اتخاذ التدابير الداعمة للعلاقات الودودة بين الناس، من خلال التكوين الاجتماعي والتشكيل الفراغي للكتل والفضاءات العمرانية. ثالثاً: «الأمان»، واتخاذ الضوابط العمرانية التي تضمن الخصوصية والراحة الإنسانية، والتحكم في حركة الآليات وتوفير نظم حركة مشاة أمنة ومريحة للإنسان ، وهذه المبادئ هي بالأساس تعزز مفاهيم جودة الحياة بالمجتمعات المستهدفة برؤية 2030م.
ختاماً يؤسس مفهوم ونهج أنسنة المدن لحيوية المجتمعات وفاعليتها، حيث يركز على التحول من المكان الصامت إلى المكان الحيوي الفاعل الذي تنتج فاعليته من تشكله في نسيج عمراني مستدام. ويولي هذا النهج عناية فائقة «للمقياس الإنساني والألفة والأمان»، من أجل صياغة نمط وأسلوب معيشة لحياة أفضل، ويضع الإنسان ومتطلباته الوظيفية والحسية في مقدمة أولويات التنمية والتطوير من أجل تحقيق راحة الإنسان في مجتمعه، وتأصيلاً للهوية المحلية والخصوصية المجتمعية للإنسان مستخدم المكان.
أ.د. أسامة سعد خليل إبراهيم - كلية العمارة والتخطيط
إضافة تعليق جديد