نقد الأمثال الشائعة

 

       تُعدّ الأمثال الشائعة مدخلًا أساسًا  للإثراء الثقافي والاجتماعي، على اعتبار أنها تلخص تجربة طويلة في حياة المجتمعات؛ لذا يتناقل الناس هذه الأمثال )التجارب( جيلاً بعد جيل، و قد عبّروا عن أفكارهم بألسنة مختلفة، فجاءتْ هذه الأمثال في صور متنوعة؛ بيد أن هذا الشيوع لتلك الأمثال – أحياناً- لا يكون صائباً في بعض جوانبه، من منطلق قاعدة التفكير الناقد أن «شيوع الشيء ليس دليلاً على صحته» ؛ لذا مواجهة بعض الأمثال الشائعة التي  تعاني من بعض المغالطات المنطقية من مهام العقلية النقدية التي تعمل على تصحيحها لكي تكون أكثر نفعاً ، فكما هو معلوم الفكر يسبق الفعل ويؤسس له ، وبهذا فإن شيوع تلك الأمثال الخاطئة سوف يؤثر في سلوك من يؤمن بها ،كمن يردد بيت الشعر لأمير الشعراء أحمد شوقي « من علمني حرفاً صرت له عبداً»، بالتالي أصبح لدينا فوج من المقلدين لا المبدعين الذين نصْبو لهم في مجتمعنا، فالعقلية الناقدة تعدّل هذا المثال إلى « من علّمني حرفا صرت له سندا ً «، فكما يُقال: يُكتب على غرفة أفضل المعلمين هنا  يجلس من ربى من هو أفضل منه.

        كما سنجد عديدًا من الناس يرددون في المثابرة والصبر المثل الصيني الشهير « طريق الألف ميل يبدأ بخطوة «؛ لكن هذا المثل يعاني من النقص، فالمثابرة والصمود في الوصول إلى الهدف ليسا كافيين وحدهما، كمن يرغب في السفر من مدينة الرياض إلى مدينة الدمام وهو يسلك طريقا يؤدي إلى مدينة أبها في جنوب المملكة لا شرقها، بذلك يمكننا تعديل هذا المثل الشهير ليكون « طريق الألف ميل يبدأ بخطوة في الاتجاه الصحيح «.

كما نسمع دوماً مثلاً شائعاً يردده كثير من الناس، وهو « تمام العقل من كثرة التجارب « ، فليست العبرة بكثرة التجارب؛ بل بمدى النمو المعرفي والمهني للاستفادة من تلك التجارب الحياتية، فنحن نحتاج إلى أن نقول: « تمام العقل من كثرة التجارب المستفادة «، غني عن البيان أنه عند الاستفادة من التجارب المتعددة -وبشكل خاص التجارب الخاطئة- تتحول إلى خبرات مستقبلاً؛ حتى لا نقع في الخطأ نفسه، فكما يقال: «إذا فشلت وتعلمت من فشلي فإنني لم أفشل».

   وعندما يحذّر بعضهم زميلاً سوف يبدأ  مشروعًا تجاريًا ما بمقولة شائعة تؤدي به إلى قتل طموحه «من خاف سلم»، فالخوف من مهددات الارتقاء الشخصي والمهني الذي يصبو إليه الفرد والمجتمع؛ مما يجعلنا نعيد هذا المثل بقولنا «من احتاط سلم «.

      وعندما يقول القائد: إن معيار الكفاءة لديه يتمثل في تطبيق مثل شائع  بأن « يضع الرجل المناسب في المكان المناسب»، والعقلية الناقدة تنظر إلى أن هذا المثل يعاني من عدة مغالطات قوامها: الحديث عن الرجل؛ لكن ماذا عن المرأة؟ أليست مشاركة في التنمية؟! كذلك تصنيف الناس إلى أشخاص مناسبين وغير مناسبين، وهذا يتعارض مع منطق الأشياء، فكل الأشخاص مناسبون، شريطة أن يكونوا في المكان المناسب، بمعنى: حين نضع شخصاً غير اجتماعي في وظيفة استقبال في فندق ما فقد يكون شخصاً غير مناسب، في حين أنه إذا عمل مراجعًا لحسابات هذا الفندق فسيكون شخصًا فعالاً،  وبذلك فإن المنظور يكون إلى كفاءة الأداء وجودته؛ لذا يمكننا تعديل المثل إلى: « وضع الشخص في المكان الذي يناسبه «.

        وختاماً «رب قارئ هو أوعى من كاتب»، فتلك الأمثال الشائعة عيّنة بسيطة مما هو شائع في حديثنا اليومي؛ لذا علينا رفع شعار « ليس كل مثل شائع صحيح «، فعندما نسمع أو نقرأ تلك الأمثال الخاطئة أو الناقصة في معناها المبتغى علينا وضعها تحت مجهر العقلية النقدية، فخير الأمثال ما نفع، لاسيما النفع العام لتطوير المجتمع والارتقاء بأفراده.

 

أ.د. خالد بن ناهس الرقاص

أستاذ علم النفس – كلية التربية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA