المحاماة ودورها في العدالة

 

إن الناظر إلى نشأة أغلب العلوم والمهن من حيث تاريخ نشأتها وسببه وكيفيته ، ليدرك أن مهنة المحاماة لا تقل أهمية عن تلك المهن الأخرى. وفي هذا المقام نهدف لإدراك أهمية المحاماة ودورها في تحقيق العدالة، إذ إن للعدالة القضائية أهمية وضرورة لا تقل عن غيرها من الضرورات.

 

ومما لا شك فيه أن الدعوى القضائية وأطرافها، هما الباعث الأول لوجود محامٍ يترافع عن أحد طرفي الدعوى ويمثله أمام القضاء، أو أن يقدم المحامي المشورة في أمر ما قد يبني عليها العميل المترافع أساس دعواه ويُنار له بها طريقه.

 

إن مكانة المحاماة أو الاستشارة القانونية والحاجة لها، جعل منها أهمية متسارعة يوما بعد يوم، وذلك لكثرة القضايا المنظورة أمام القضاء، إذ إنه من المعروف أن تزايد أعداد القضايا يرجع إلى كثرة التعاملات بين أفراد المجتمع؛ مما يؤدي إلى المنازعات والخصومات في بعضها، أو التعدي على حقوق الآخرين في بعضها الآخر، مما يتطلب من السلطة القضائية القيام بدورها المُناط بها للفصل في المنازعات وإنهاء الخصومات، وإعطاء كل ذي حق حقه.

 

ولأن الحاضر امتداد للماضي، فنستذكر هنا التاريخ من حيث نشأة المحامي، حيث كان يعرف بمسمى )وكيل(، حين وضع   المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- اللبنة الأولى في تأسيس القضاء عام 1344هـ؛ أي قبل أن تتطور مهنة المحاماة وتصبح بوضعها الراهن، ومع مرور الوقت والتقدم السريع للمملكة على مختلف الأصعدة، ولمواكبة التطور الدولي، فقد أصدرت المملكة نظام المحاماة الصادر عام 1422هـ، واستبدلت في ذلك النظام الحديث مسمى )وكيل( بمسمى )محام(.

 

ولا يخفى على مطلع الجهود المبذولة لمهنة المحاماة والمحامين من حيث التنظيم والتمكين؛ لكي تصبح مهنة معينة للقضاء  وللمتقاضين، وتوفر الوقت والجهد على أطراف الدعوى، وتُسّرع النظر فيها.

 

كما أن أهميتها ومكانتها تكمن في أن أحد طرفي الدعوى صاحب حق، ولكنه قد لا يستطيع إثبات حقه، ولا يُقدم إثباتاته على ذلك، أو لا يستطيع تقديم بيناته على الوجه المطلوب، فيخسر حينها حقه لعدم قدرته على الإثبات بالشكل الصحيح أمام القضاء، فيما يقابله في الوقت نفسه طر آخر أكثر منه مهارة في الإثبات أو الإنكار. وهذا يعني أن صاحب الحق )ولو كان صاحب حق( فإنه بحاجة إلى فصاحة لسان ومهارة في الترافع لإثبات حقه، وهذه المهارة لا شك أنها قد تكون عند بعض الناس، ولكن   من يمارس مهنة المحاماة أو يقدم الاستشارات القانونية من المفترض أن يكون متسما بتلك الصفات التي تعينه في رفع الظلم عن المظلوم، ورد الحق إلى نصابه، وفرض العدل في الخصومة التي يكون فيها المحامي )وكيلا( عن )موكله(.

 

قال تعالى: «وأَخِي هَارونُ هُوَ أَفصحُ مِنّي لِسَاناً فَأَرسِلهُ مَعي رِدْءاً يُصَدِّقُنِيَّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكذِّبونِ» )سورة القصص(، وهذا دليل على أهمية الاعتراف بتفوق الآخرين في بعض الجوانب، والتي نقصد منها هنا )الفصاحة( في إثبات الحقوق، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل.

 

يقول الدكتور حماد الحماد، في كتابه )المحاماة في النظام السعودي(: «إن عمل المحاماة يعد في هذا الزمن وقبله من الأعمال المهمة في المجتمع، وطبيعة عمل المحاماة تحتاج مهارات وقدرات خاصة لا يدركها كل أحد، وعلم المحاماة أصبح علمًا له كيان؛ لتضمنه قواعد وأصولا علمية يتطلب الإلمام بها، ولا ريب والحال كذلك أن تقوم بعض الدول التي لها في عمل المحاماة باع طويل، بإنشاء مراكز ومعاهد لتأهيل المحامين، إضافة إلى كليات الشريعة والحقوق»أ،هـ.

 

إن لمهنة المحاماة بجهود محاميها الدور الأبرز والجهد الأكبر في تحقيق العدالة القضائية، كما أن لهما الدور الأمثل في    اختصار مدد التقاضي بإنهاء الدعاوى في أوقات وجيزة، مما يوفر على القضاء والمتقاضين الوقت،  ويسهم في عدم إطالة أمد الدعوى، والتخفيف على القضاء، لا سيما وأن المحامي يُعد من أعوان القاضي، وله في الوقت ذاته دور هام وجهد ملموس في سير الدعوى القضائية على وجه الخصوص.

 

وتأسيسا على ما تقدم، يظهر لنا جليا دور المحاماة الهام في تحقيق العدالة، لا سيما وأن المنظم السعودي قد أصدر أنظمة منها على سبيل الذكر لا الحصر: نظام المرافعات الشرعية، ونظام الإجراءات الجزائية؛ لكي تحقق العدالة وتضمن حقوق المتقاضين، إذ نص نظام الإجراءات الجزائية في المادة الرابعة على دور المحامي، فأعطى الحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محامٍ للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة.

 

عمر الشهري

 

كلية الحقوق والعلوم السياسية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA