الكثير من الباحثين وطلاب الدراسات العليا يعتقدون بأن الوصل إلى نتائج بين متغيرين هو نهاية المطاف، على اعتبار أن تلك النتائج قدم التفسير الشامل للعلاقة بين المتغيرين. هذا قد يبدوا منطقياً من الوهلة الأولى، لكن الواقع يختلف كثيراً، حيث يمكن أن يلعب متغير خارج تلك العلاقة دوراً يغير فهمنا للنتائج التي توصلنا لها تماماً. في هذه فإن النتيجة التي حصلنا عليها سوف تصبح مضللة لا قيمة لها.
لذا يجب على الباحث التأكد من عدم وجود متغير ثالث لاعتماد ما توصل إليه من نتائج. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن للباحث تحديد المتغير الثالث المتوسطي؟
لعل آلية تحدد وجود متغير ثالث متوسطي يعتمد على الأدبيات والدراسات السابقة والنظريات التي تفسر العلاقة المرتبطة بموضع القياس لإبراز الاختلاف، أو الارتباط أو التوزيع أو التأثير أو كشف الغموض سوف تقودنا إلى التعرف على المتغير الثالث المتوسطي. وبغض النظر عن الهدف من القياس فإن ذلك لا يغير في فهمنا لدور المتغير الثالث شيئاً. أي أن الأدبيات والدراسات السابقة والنظريات سوف تكشف لنا ذلك المتغير.
المتغير المتوسطي هو متغير اسمي، له مستويان أو أكثر. وآلية عمله تتمثل في أن أحد مستوياته يبقي العلاقة الترابطية، في حين المستوى الثاني ينفي العلاقة (في حالة كون المتغير الاسمي له أكثر من ثلاث مستويات فإن كل مستوى له دوره الخاص به، يبقي العلاقة أو ينفيها). وتتمثل آلية القياس في عملية التحكم التي يقوم بها المتغير الثالث. ونقصد بالتحكم هو إعادة القياس للمجموعة التي تنتمي لمستوى واحد من مستويات المتغير الثالث. أي أننا نقوم عدد من القياسات كل قياس يمثل مستوى من مستويات المتغير الثالث، وتتساوى عدد القياسات مع مستويات المتغير الثالث، فلو مثلا لدينا متغير النوع (ذكر وأنثى) فسوف نقوم بالقياس مرتين، الأولى لقياس مجموعة الذكور، والقياس الثاني لمجموعة الإناث. وفي حالة وجود أكثر من مستوى مثل متغير الجنسية (سعودي، مصري، يمني، أخرى) فسوف نقوم بأربع قياسات، كل جنسية سوف تقاس بمفردها كمجموعة مستقلة بذاتها.
مثال: لو أن باحث قام بقياس علاقة ارتباطية بين عدد سنوات التعليم والعنف، ووجد ان هناك علاقة بين المتغيرين، لكن الباحث لاحظ في الأدبيات أن الإناث أقل عنفاً من الذكور، فعمد إلى تقسيم عينة مجتمع دراسته إلى مجموعتين الأولى تضم الذكور فقط، والثانية تضم الإناث فقط. ثم قام تكرار القياس مرتين، وجاءت النتائج على النحو التالي:
ـ أن العلاقة بين عدد سنوات الدراسة ومستوى العنف لم تعد علاقة معنوية بالسنبة للإناث.
ـ أن العلاقة بين عدد سنوات الدراسة ومستوى العنف علاقة معنوية بالسنة للذكور.
القرار: أن متغير الجنس متغير ثالث متوسطي.
والواقع أننا عندما نتأكد من وجود تأثير للمتغير الثالث (المتوسطي) أو عدم وجود تأثير له فإننا في الواقع قد تحكمنا في ذلك المتغير، وهذه العملية تحاكي ما يُعرف بالتحكم في المنهج التجريبي. فالتحكم في المنهج التجريبي الغاء تأثير متغير ما على القياس التجريبي.
أما في حالة ثبات العلاقة المعنوية لكلا المجموعتين (ذكور وإناث) فإن متغير الجنس ليس بمتغير ثالث يؤثر على العلاقة المعنوية الأصلية.
أ.د. سعود بن ضحيان الضحيان
أستاذ المناهج والقياس بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية
للتواصل: dohayan@hotmail.com
إضافة تعليق جديد