السياحة الثقافية هي مجموعة فرعية من السياحة المعنية بتفاعل المسافر مع ثقافة بلد أو منطقة ما، وتحديداً نمط حياة المجتمعات في تلك المناطق الجغرافية، وتاريخ تلك المجتمعات، وفنونهم، وهندستهم المعمارية، وأديانهم، وغيرها من العناصر التي ساعدت في تشكيل أسلوب حياتهم. وعرفت منظمة السياحة العالمية في تقريرها 2012 السياحة الثقافية بأنها _ الرحلات التي يكون هدفها الرئيسي أو المصاحب هو زيارة المواقع والأحداث التي جعلت قيمتها الثقافية والتاريخية جزءاً من التراث الثقافي للمجتمع _ ووفقًا لهذا التعريف، فأن زيارة المواقع والفعاليات الثقافية والتاريخية المتعلقة بالتراث الثقافي ليست بالضرورة الدافع الرئيسي للرحلة، فمن النادر أن تكون السياحة الثقافية متفردة وغالبًا ما يتم دمجها مع أنواع السياحة التقليدية والمتخصصة الأخرى.
أما العولمة فيمكن وصفها بأنها تفاعل متزايد بين الناس من خلال نمو التدفق الدولي للأموال والأفكار والثقافة. ووفقاً لقاموس الأعمال، فإن العولمة تعني ضمناً فتح وجهات نظر محلية وقومية لنظرة أوسع لعالم مترابط مع انتقال حر لرأس المال والسلع والخدمات عبر الحدود الوطنية.
ولكن ما علاقة العولمة بالسياحة الثقافية؟ ظهرت العولمة بمعناها المعاصر في بدايات القرن العشرين مع انتشار وسائل النقل السريعة وسهولة السفر غير المسبوقة حول العالم، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المعاصرة، والأقمار الصناعية، والاتصالات الحديثة، فأصبحت السلع والمعلومات والأخبار تنتقل بسرعة وسهولة وتدخل كل منزل. وبدأت تأثيراتها تنعكس على الممارسات، والعادات، والتقاليد، والفنون، وحتى طرق العمارة. فأصبحت ثقافات الدول خاصة المنفتحة منها على العالم تتشابه شيئاً فشيئًا لاسيما العواصم والمدن الكبيرة. كما بدأت الشعوب تتقبل الأفكار الدخيلة والغريبة عليها. ونكاد نجزم أن وسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة زادت من شدة هذه الظاهرة.
ومن هنا ظهرت الحاجة لحماية العادات والتقاليد والممارسات الثقافية الأصيلة التي جاء السائح لمشاهدتها بعيدةً قدر الإمكان عن تأثيرات العولمة، وضمن حدود التغيير المقبول على مستوى ثقافة المجتمع. فالسائح الثقافي بحاجة لرؤية شيء جديد وغير مألوف، وتجارب مختلفة ومميزة مغايرة لما أعتاد عليه في بلده. إن العلاقة الطردية بين اختلاف الثقافة وتميزها وبين انبهار السائح بها أمر لا يمكن تغافله. ولذلك كلما حافظت الشعوب على روابط الأصالة في تقاليدها وعاداتها وحمتها من العولمة كلما ذاع صيتها، وبالتالي نشطت سياحتها وزاد توجه السائح الثقافي لها.
وبينما تعد الهوية الثقافة هي الدرع الواقي والحصن المنيع من الاختراق الثقافي، فأن السياحة الثقافية هي أفضل ممثلي هذه الهوية أمام العالم. وبالتالي يتجلى دور السياحة الثقافية في مقاومة العولمة التي وحدت ثقافات الشعوب، فهي الوسيلة الأكثر فاعلية لتعريف العالم بالهوية الأصلية لأي مجتمع، وهي قوة ضد العولمة. وحيث أنه يمكن التعرف على ثقافات الشعوب من خلال الكتب والصور والأفلام الوثائقية وغيرها من الوسائل الأخرى، إلا أن السياحة الثقافية هي الوسيلة الأقل تسطيحًا -التبسيط المفرط المتعمد للمحتوى- للتجربة الثقافية، ويمكن التعرف من خلالها على ثقافة البلد بطريقة أكثر عمقًا وانخراطًا، وأكثر تطوراً وتعقيداً. فإن الثقافة لا شيء إن لم تكن معقده، ويصعب نقل خبراتها دون تشويه، والسياحة الثقافية هي أفضل الطرق لخوض تجاربها في بيئتها الأصلية التي نشأت وتطورت فيها، فضلاً عن كونها أفضل الطرق لإبراز التنوع الثقافي العالمي.
أشواق بنت سعد المرزوقي
طالبة ماجستير إدارة التراث
كلية السياحة والآثار
إضافة تعليق جديد