يتردد في الآونة الأخيرة مصطلح الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative Artificial Intelligence، إنه أحد الاتجاهات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence، التي يستخدم فيها النماذج التوليدية Generative models وتقنيات التعلم العميق Deep learning techniques لإنشاء محتوى جديد- مقالات نصية أو صور أو مقاطع فيديو- بشكل آلي، وبجودة عالية تضاهي جودة المحتوى الذي يصنعه الإنسان، بما قد يراه بعض كتحول مادة من الخيال العلمي إلى حقيقة على أرض الواقع!
إن الذكاء الاصطناعي التوليدي هو الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي. في الحقيقة، يكمن الاختلاف الرئيسي بين الذكاء الاصطناعي التقليدي والذكاء الاصطناعي التوليدي في قدراتهما وتطبيقاتهما. وبشكل مختصر يمكن الإشارة للاختلاف بينهما إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التقليدية تُستخدم لتحليل البيانات وتقديم التنبؤات، حيث يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي التقليدية التعلم من البيانات واتخاذ القرارات بناءً على تلك البيانات، لكنها لا تستحدث أي شيء جديد، ومن أمثلة ذلك: المساعد الصوتي، اقتراحات المنتجات في المواقع الإلكترونية، أو لعبة الشطرنج في هاتفك المحمول. بينما تمتد قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى أبعد من ذلك، حيث تُدرَّب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية على مجموعة من البيانات والأنماط الأساسية لإنشاء بيانات جديدة. يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية إنتاج محتوى يشبه المحتوى الذي يقدمه الإنسان، كتابة المقالات، أو تصميم الصور، أو إنشاء الموسيقى ومقاطع الصوت أو إنشاء الفيديو وتصميم المقاطع الدعائية. ومن أبرز أمثلة الذكاء الاصطناعي التوليدي نموذج اللغة GPT-4 الذي طُوِّر بواسطة شركة OpenAI حيث يمكن من خلاله إنتاج نصوص لا يمكن تمييزها عن النصوص التي يكتبها الأشخاص.
وبالرغم من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لايزال في بداياته، إلا أنه حقق نجاحاً ملحوظاً في تقديم حلول إبداعية وتطبيقات مبتكرة في عدة مجالات، ككتابة الأكواد البرمجية، وتطوير المنتجات، والإنتاج الإعلامي. والمتأمل يدرك أن القدرات الهائلة في أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي سوف تغيّر من مجال الأعمال وتُحدث تحولات جذرية في شتى المجالات من حولنا – وربما ستلعب دوراً مشابهاً لظهور الكهرباء والإنترنت في حياة البشر. وقد بدأت بالفعل بعض الشركات الكبرى مثل Coca-Cola رحلة الذكاء الاصطناعي التوليدية الخاصة بها من خلال تعيين رئيس للذكاء الاصطناعي التوليدي -كواحدة من أوائل الشركات في ذلك، وتقديم مشاريع موجهة نحو تضمين المبدعين وتمكينهم، وكان من بين الثمار الأولى لذلك إنتاج حملة إعلانية لاقت استحساناً كبيراً، وذلك بالتعاون مع OpenAI، وباستخدام نموذج الصورة التوليدية DALL-E2 وChatGPT، حيث تم إحياء بعض الأعمال الفنية الأكثر شهرة في العالم، عن طريق دمج الرسوم المتحركة المعززة بالذكاء الاصطناعي.
وكحال أي تقنية جديدة، يظهر معها عالم من الفرص والإمكانات كما يبرز عدد من التحديات، فإن التقدم الحالي في الذكاء الاصطناعي التوليدي يشكّل مخاطر كبيرة. إن السهولة التي يمكن بها إنشاء المحتوى تعني أيضًا سهولة نشر المعلومات الزائفة والمضللة، التي يمكن من خلالها التأثير على الرأي العام والتلاعب به، حيث يمكن غمر العالم الرقمي بآلاف المقالات والصور ومقاطع الفيديو المزيفة في لمح البصر. ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي، تزداد ضبابية الحدود الفاصلة بين المحتوى الحقيقي والمحتوى المُنتج باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويبرز التحدي الأكبر في كيفية تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي مع تفادي أخطاره ومن ذلك توفير بنية تحتية للتحقق الرقمي ومراجعة السياسات والتشريعات ذات العلاقة وسن القوانين اللازمة لتحديد نطاق المساءلة والمسؤولية في حال إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي.
د. منال بنت عبدالله المعمر
إضافة تعليق جديد