يعتمد بناء أي نظرية من النظريات على معرفة عدة مفاهيم ومبادئ متعلقة بمجال النظرية وأنواعها، ووظائفها، وأدواتها، ومجالاتها. والنظرية التربوية ونظرية المنهج احدى هذه النظريات التي يحتاج المفكرين الواضعين لهما بأن يكونوا على علم وإطلاع بمفهوم النظرية بشكل عام، والتفريق بين النظرية العلمية والنظرية التربوية على حد سواء.
ولعلنا في البداية نشير لمفهوم النظرية اصطلاحاً ولغةً. فكلمة نظرية مشتقة من الفعل (نظر) أي محاولة التقصي والفهم بالتجربة والاختبار. والنظر هو التبصر باستخدام جميع الحواس. ومن المهم قبل الخوض في تعريف النظرية بشكل عام الإشارة لما ذكره أحد البريطانيين بقوله «أن المرء الذي يبحث عن تعريف واضح ومحدد للنظرية لن يصل إلى ضالته». ومن التعريفات العامة للنظرية انها (مجموعة من الفرضيات والمفاهيم التي تتنبأ بالظاهرة وتعممها). وهذا المفهوم قد يكون مناسباً لتعريف النظرية العلمية عن غيرها، كونها هي الأساس لتقدم العلوم الطبيعية.
ومن هنا ينبغي على واضعي النظرية التربوية ونظرية المنهج التفريق بين مفهومي النظرية العلمية والنظرية التربوية قبل بناء هاتين النظريتين. فالنظرية العلمية هي نظرية وصفية Descriptive تفسر لنا الظاهرة الموجودة فقط، بينما النظرية التربوية هي نظرية تشخيصية Prescriptive تقوم بتشخيص الظاهرة وتوجيهها. وكانت هناك محاولات لتطبيق مفهوم النظرية العلمية في التربية إلا انها اصطدمت بطرفين أحدهما أنكر استخدامها بحجة ان التربية ليست مجالاً يحتاج لنظرية، والآخر شكك في نجاحها بسبب انها ستصطدم بأهداف التربية الإسلامية الثابتة.
والنظرية التربوية هي نظرية تطبيقية وأكثر تعقيداً من النظرية العلمية. ومفهومها اتسع في العصر الحديث ليشمل جميع ما يتوقع أن يكون عليه الفرد، متضمنة الفاعلية التي تنتج كمية من المخرجات بقليل من المدخلات. وتعتمد النظرية التربوية على مجموعة من المفاهيم التربوية المعتمدة على مجموعة من المرتكزات الدينية والفلسفية والاجتماعية بالإضافة إلى الاهداف التي تفسر كل العمليات التربوية.
ويمكن لبناة النظرية حذو ما ذهب اليه رجال الفكر التربوي في بنائهم للنظرية التربوية، حيث يقوم أولئك المفكرين بدراسة القضايا التربوية بشكل علمي، ودراسة الجذور التاريخية للمشكلات التربوية بأسلوب التحليل التاريخي، والقضايا الفلسفية بمنهج تحليلي فلسفي، بشرط الاعتماد على الثوابت الإسلامية في ذلك وعدم تجاوزها.
ومن المعروف ان الوظيفة الأساسية لاي نظرية هي الوصف والتفسير للمصطلحات والحقائق، وإدراك العلاقات والتنبؤ بما سيتم الوصول إليه. وفي ضوء هذه الوظيفة فإن النظرية التربوية لا يمكنها التنبؤ بما سيتم الوصول اليه بعكس النظرية العلمية المعتمدة على الحقائق. حيث ان النظرية التربوية تستخدم كموجه للممارسات التربوية وتقدم التوصيات وتصف مجموعة من الأنشطة التربوية كالتدريس والاقناع والدافعية والاختبار والتقويم لبلوغ الأهداف المطلوبة وليس افتراضات مترابطة يمكن وصفها كالنظرية العلمية.
وفي ضوء ما تم استعراضه فإنه يمكن الاتفاق على مفهوم واحد للنظرية بأن يكون احتواؤها على عدة مفاهيم وتعريفات متفقة عليها ومشتقة من مجال من المجالات يقوم بتفسير الظاهرة والتبوء بنتائجها. وإدراج النظرية العلمية كأحد مجالات النظرية التربوية الإنسانية. حيث ان العلوم الطبيعية أحد مصادر التربية التي يمكن توظيفها في بناء النظرية والمناهج.
محمد حسن البحيري
باحث دكتوراة في المناهج وطرق التدريس
إضافة تعليق جديد