ميز الله -سبحانه وتعالى- الإنسان عن غيره من المخلوقات بالعقل (Mind). ويعتبر أنه أحد المميزات التي يستطيع الإنسان من خلاله ممارسة عمليتي التفكير والتحليل. وتعتبر مهارة التفكير (Thinking) أحد المميزات التي وهب الله به الإنسان وكرمه وخصه بها. فمن خلال هذه المهارة يستطيع القيام بالعديد من النشاطات الذهنية. ويلاحظ نتائج هذه الأنشطة العقلية وتأثيرها في حياته العملية. وتعددت التعريفات والاصطلاحات لمفهوم التفكير، وارتبطت والتبست واختلطت به العديد من المفاهيم، والمصطلحات الفلسفية، والمهارية، والثقافية. وسنعرض هذه المفاهيم وتأثيرها على مفهوم التفكير.
مفهوم التفكير يختلف معناه باختلاف المرحلة العمرية. الأطفال على سبيل المثال من هم دون عمر الثانية عشر يرون التفكير أنه الأفكار الخيالية وأحلام اليقظة وأمور تجلب لهم الفرح والسعادة، وتحقق لهم أهدافا في المستقبل. فعند التفكير في الزواج والشجاعة والاختراع والبطولة يرونها أموراً مثالية، بينما الأطفال من هم فوق الثانية عشر يرون التفكير أنه التفكير في الذات وحل المشكلات من خلال التفكير في الماضي والحاضر والمستقبل. ويرى الخريجون والمعلمون التفكير بأنه نشاط عقلي يهدف لحل المشكلات. ويُعرف دي بونو (1989) التفكير «بأنه التقصي المدروس للخبرة من أجل غرض ما». وقد يكون هذا الغرض. أما الفهم أو اتخاذ القرارات أو حل المشكلات أو الحكم على الأشياء أو فعلها. ويعرف جون ديوي التفكير يضاً «بأنه الأداة الصالحة لمعالجة المشاكل والتغلب عليها وتبسيطها». وقد يكون تحليل سولسو (1998) للتفكير أنه الأمثل من خلال اعتبار التفكير عملية افتراضية تحدث داخل الدماغ، وتشتمل على مجموعة من العمليات المعرفية تؤدي إلى سلوك ينتج عنه حل مشكلة أو التوجيه نحو حلها. ويمكن تعريف التفكير أنه جميع العمليات الذهنية التي تجري في عقل الإنسان وفق نمط محدد من أنماط التفكير المعروفة من أجل الوصول إلى تكوين مفهوم، أو حل مشكلة، أو تغيير سلوك، أو ابتكار شيء بدأً باستخدام مهارات التفكير الدنيا ومروراً بمهارات التفكير العليا.
ويختلط مفهوم التفكير بعدة مفاهيم منها الذكاء، والابتكار، والمعلومات، واللغة، والمهارات، والميتافيزيقيا، والمعرفة، والاستقصاء، والشعور. الذكاء هو عملية تفكير تتميز بسرعة المعالجة والوصول إلى حل المشكلة وهي خاصية فطرية يتميز بها بعض الأشخاص نتيجة وتنشئتهم وجيناتهم أو هدم إنزيم معين في الشبكة العصبية. ويعتبر الابتكار أنه مظهر من مظاهر الذكاء، ويتطلب درجة مرتفعة من الذكاء. كما أن التفكير أداة لتمثيل المعلومات وتصنيفها، والمعلومات أهم من التفكير، وبالتالي فإن التفكير لا يغني عن المعلومات والعكس. وتُجمع المعلومات في مجموعة من المفاهيم يقوم التفكير بربطها وتصنيفها في علاقة محددة من خلال الاستقصاء.
كما يبرز مصطلح اللغة والتفكير والعلاقة بينهما. فاللغة أمر ثقافي والتفكير أمر مادي. ثم تأتي مهارة البيان وتسلسل الأفكار ومناطقها. وتعتبر مهارتي التحدث والكتابة مهارتين منفصلتين بجانب مهارة التفكير. وهناك حاجة لتطوير مهارة التفكير بجانب المهارات اللغوية. وينبغي عدم الربط بين إجادة المهارة اللغوية وقدرة وضعف التفكير، في المهارة اللغوية المتقنة هي مهارة مكتسبة والتفكير موجود قبلها. وتعتبر الميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) أنها اتساق منطقي يتضمن المعاني اللفظية التي يقود لها التفكير الاستدلالي بخلاف دلالات الكمال والوجود في أن الله -سبحانه وتعالى- كامل وموجود وبعيداً عن النقص، وهذه حقيقة لا يمكن الشك بها. إلا أن هناك دلالات في عدة مواقف اجتماعية وثقافية للبشر غير منطقية؛ وبالتالي فإن الدلالة تؤثر في التفكير، وعلينا التخلص من هذه الدلالات وألفاظها ومعانيها لكي نطور تفكيراً أكثر فاعليةً.
والتفكير هو توضيح الفهم والشعور، ويعتبر الإحساس هو ردة الفعل لهذا الفهم والشعور بمختلف المستويات، سواء كان خاطئاً أو صحيحاً أو مبالغاً فيه.
وختاماُ يعتبر التفكير أنه مهارة مستقلة ميز الله بها البشر عن غيرهم من المخلوقات تختلف في قوتها وضعفها من شخص لآخر. وهي ردة فعل إجرائية ذهنية مقصودة موقف أو سلوك بحاجة لحل. وهناك الكثير من المصطلحات التي قد يخلط البعض في استخدامها للإشارة إلى التفكير والذكاء والإبداع والابتكار، برغم كونها مهارات مستقلة عن التفكير الذي يعتبر أنه الحاضن لجميع هذه المهارات. وتتقاسم المعلومات والمفاهيم مع التفكير في وجودها وأهميتها، حيث أن التفكير لا يتم بدون معلومات ومفاهيم، والمعلومات لا جدوى منها بدون التفكير في تصنيفها وترتيبها. كما أن اللغة هي مخزون ثقافي ومهاري يتضمن العديد من الدلالات والألفاظ التي يعوق كثير منها عملية التفكير الفعال.
محمد حسن البحيري
باحث دكتوراة في المناهج وطرق التدريس
إضافة تعليق جديد