الأولويات البحثية في الجامعات

 

 

يُعتبر البحث العلمي في الجامعات أحد الأعمدة الرئيسية للنشاط الأكاديمي وهو عملية منظمة تهدف إلى اكتشاف وتفسير وتطبيق المعرفة لنفع المجتمع. في الجامعات، يتم تنفيذ البحوث العلمية من قبل الأكاديميين والطلاب في سياق مؤسسي يندرج تحت كيانات ووحدات معينة.

ويمكن تصنيف مشروعات البحث العلمي في الجامعات إلى عدة أصناف بناءً على معايير مختلفة، ومن التصنيفات الأكثر شيوعًا للأبحاث التصنيف المبني على الغرض أو الهدف، وفيه يتم تصنيف البحوث إلى أبحاث أساسية وأبحاث تطبيقية. ومن التصنيفات ما يستند إلى طبيعة البيانات المستخدمة مثل البحث النوعي والكمي، ومنها ما يستند على عملية البحث مثل الوصفي والتحليلي والتوضيحي والاستكشافي وغير ذلك من التصنيفات الأخرى. كما يمكن أن يكون البحث متعدد التخصصات أو ما يسمى بالبحوث البينية، والتي تعتمد على الطرق التي تتفاعل بها التخصصات الأكاديمية المختلفة، وتتعاون فيما بينها في مجال البحث العلمي، والذي يعتبر أحد أهم الاتجاهات المعاصرة للمشروعات البحثية.

تُعبّر الأولويات البحثية في الجامعات عن التوجهات والمسارات الرئيسية التي تُعطى الأفضلية في التمويل والدعم. هذه الأولويات قد تُحدد استنادًا إلى احتياجات المجتمع والتحديات العالمية الراهنة والفرص المتاحة. هناك فرق بين المجالات البحثية والالويات البحثية. المجالات البحثية هي التوجهات العامة أو الرئيسية التي يُمكن أن تُجرى فيها الأبحاث، فكل مجال واسع يشمل مجموعة كبيرة من المواضيع الفرعية أو المشكلات المحددة، ويمثل توجها عامًا لنمط معين من البحوث. أما الأولويات البحثية، فهي تركز على اتجاهات محددة داخل المجالات البحثية العامة، والتي تعتبر ذات أهمية كبيرة أو إلحاح، وغالبًا ما تنشأ الأولويات من الاحتياجات المجتمعية، أو التقدم التقني، أو التحديات الناشئة، أو الفجوات في المعرفة الحالية. على سبيل المثال مجال «الطاقة» هو مجال واسع للأبحاث، ويمكن أن يتضمن الكثير من الأولويات البحثية، منها على سبيل المثال «استغلال طاقة الرياح لتوليد الكهرباء في المناطق النائية» ولذلك يتضح أن أغلب ما يطرح من قبل المؤسسات الأكاديمية هي مجالات بحثية، وليست أولويات بحثية يحكمها معايير معينة، وتلتزم بمخرجات محددة.

الأولويات البحثية تُمثل التوجهات الاستراتيجية التي تُحدد الأمور والموضوعات التي تُعطى الأفضلية في التمويل والدعم، وتُحدد بناءً على التحديات المحلية أو العالمية، وكذلك الفرص الواعدة في مجالات البحث، وتُساعد الجامعات في توجيه مواردها نحو المجالات التي تُعتبر ذات أهمية استراتيجية.

يمكن أن تتغير أولويات البحث بناءً على الاحتياجات المجتمعية أو التقدم التقني أو النتائج الجديدة. وهي غالبًا ما توجه قرارات التمويل لتتوافق مع الأولويات الحالية. وقد يكون تحديد أولويات البحث في الجامعات أمرًا صعبًا؛ نظرا لطبيعة ورسالة المؤسسات الأكاديمية. وهناك العديد من العوامل التي تسهم في ذلك منها تنوع التخصصات والأقسام على عكس المؤسسات البحثية المتخصصة، ففي الغالب أن الجامعات تشمل مجموعة واسعة من التخصصات، من العلوم الإنسانية والاجتماعية إلى العلوم الطبيعية والهندسية والصحية، وقد يكون لكل من هذه التخصصات مجموعة خاصة به من الأولويات البحثية والمنهجيات ومعايير الأهمية. أيضا، عندما تعتمد الجامعات على التمويل الخارجي للبحوث العلمية، فمن الممكن أن يأتي ذلك التمويل بالأولويات الخاصة به مما قد يسبب عدم موائمة بين الأولويات التي من المرجح أن تحصل على التمويل مقابل تلك التي يعتبرها المجتمع الأكاديمي ذات قيمة جوهرية. ومما يسهم أيضا في صعوبة تحديد الأوليات البحثية في الجامعات، القدرات والبنية التحتية حيث تتطلب بعض مجالات البحث بنية تحتية مناسبة، مثل المختبرات أو المعدات المتقدمة وغيرها؛ مما يشكل صعوبة لدى بعض الجامعات لدعم البحث في مجالات معينة. كما تعتبر احتياجات المجتمع المحلي مسؤولية الجامعات في تلبية احتياجاته البحثية، وهذا يمكن أن يؤثر على تحديد أولويات البحث، وخاصة للجامعات التي لديها التزام قوي بالمشاركة المجتمعية. أيضا تشارك الجامعات في في عمليات تعاون دولية، وهذا يتضمن تحديد أولويات البحث العلمي من خلال التحديات والفرص العالمية بناء على الشراكات الدولية؛ مما يحتم عليها أوليات بحثية مشتركة. وقد تنشأ الصعوبة في تحديد البحوث البينية أو متعدد التخصصات، والتي تحتاج الجامعات إلى تسهيل ومنح الأولوية لمثل هذا النوع من البحوث، والذي يمكن أن يكون معقدًا؛ نظرًا للهياكل الإدارية التقليدية غير المناسبة لهذا النوع من البحوث. ومن أسباب الصعوبات أيضا النتائج طويلة المدى مقابل النتائج قصيرة المدى، فغالبا ما تركز الأبحاث الأكاديمية على الأسئلة الأساسية التي قد لا يكون لها تطبيقات فورية ولكنها قد تؤدي إلى فائدة علمية على المدى الطويل، فتحقيق التوازن بين هذه النتائج طويلة المدى ومشاريع الأبحاث التطبيقية قصيرة المدى يمثل تحديًا أمام تحديد الأولويات البحثية في الجامعات، وغير ذلك من العوامل التي تجعل من تحديد أوليات البحث العلمي في الجامات أمرا يحتاج المزيد من الدراسة والتركيز.

للتغلب على صعوبات تحديد الأولويات البحثية، فإن الجامعات تعمل على خططها الاستراتيجية، بما في ذلك التواصل مع أصحاب المصلحة، لتحديد أولويات البحث العلمي لمواءمة نقاط قوة الجامعة وقدراتها مع التطلعات الداخلية والتوقعات الخارجية.

تحديد أولويات البحث في الجامعات تحديًا متعدد الأوجه، يتطلب دراسة متعمقة للقدرات الداخلية، والتوقعات الخارجية، والمجالات الذي تعمل فيه المؤسسة التعليمية. وهي عملية متغيرة تحتاج إلى إعادة النظر بشكل دوري. يمكن أن تستخدم الجامعات منهجيات منظمة لتحديد أولوياتها البحثية، وغالبًا ما تجمع هذه العملية بين التحليل المبني على البيانات، والتواصل مع أصحاب المصلحة، والتخطيط الاستراتيجي وغير ذلك من الطرق التي يبنى عليها قرار تحديد تلك الأولويات، وذلك لاستغلال مواردها البحثية بالشكل الأمثل.

أ.د. عبدالرحمن بن مشبب الأحمري

أستاذ الهندسة الصناعية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA