من خصائص البيئة الجامعية لكل منسوبيها ميزة الحيوية، وهذه مسلمات لا يمكن الجدال فيها والاختلاف فيها. وفي غياب هذه الحيوية يصبح المكان مجرد بيئة روتينية جامدة، فالحيوية من الحياة، والعكس صحيح. عندما تكون البيئة مفعمة بالحياة، فهناك حركة دؤوبة إيجابية ثرية وممتعة وفوق كل ذلك ملهمة. الحياة الجامعية تقوم على الفكر والإبداع، وهذان لا يمكن أن يعيشا ويزدهرا إلا في ظل برامج داعمة في إطار استراتيجية تنفيذية رشيقة. يمكننا أن نتخيل طبيعة هذه البيئة الحيوية، من خلال كل نظام أو قرار أو برنامج أو نشاط، وبهذا لا يمكن حصر الأمثلة. لكن لا بد من تقديم بعض الأمثلة. عندما ندعم التحاق الطلبة بالجامعة وفق رسوم دراسية فلابد من بذل الجهود الممكنة، وهذه الجهود لابد أن تكون متعددة لتوفر في النهاية خيارات داعمة ومنافسة في ذات الوقت متاحة للراغبين في الدراسة في هذه الجامعة، وعليه لا يمكن الاستمرار بنفس الآلية والعقلية في جذب الطلبة للبرامج الدراسية بنفس الشروط. وفي ذات الوقت، لا يمكن التخطيط من الأعلى إلى الأسفل؛ بمعنى لا بد من استطلاع رأي المعنيين، وهنا نرى أن المركزية في اتخاذ القرار والاستمرار بنفس الآليات لا يستقيما ومفهوم الحيوية. ومن حيث البحث العلمي، فلا بد أن نقر بأن حركة البحث العلمي في الجامعات ازدهرت في ظل مراكز البحوث وبرامج دعم البحوث من قبل مدينة الملك عبدالعزيز، وهذا يعني أن البحث العلمي يقوم على دعم مالي أولا، وبمجرد تحجيمه فلا يتوقع أن العوامل الأخرى ستدعم حركته وحيوته. وظيفة الأستاذ الجامعي بدرجة الدكتوراه هي البحث العلمي أولاً، ولا يمكن دعم هذه الوظيفة بالتقتير والتقييد في توفير دعم مالي وحضور المؤتمرات والورش المتخصصة. في الجانب الإداري، لابد من رصد أي حركة في الترهل الإداري، فلا يعقل أن يمتلئ قسم إدارة بموظفين جل وقتهم دون عمل، فتشخيص المشكلة ودون التفصيل فيها يمكن إتمامها ببراعة ابتداءً بإعادة النظر في التوصيف المهني أو العملي للنظر مدى اتساق المهمة مع العدد. يجب أن تكون الإدارة في خدمة تحقيق أفضل النتائج البحثية والتعليمية وخدمة المجتمع، وهنا نتساءل: ما مصير نتائج البحوث التي تصلنا استبانتها مرة أو أكثر كل فصل؟ هذا يقودنا إلى خدمة المجتمع، ولعله من المنطقي أن ترى الجامعة أنها أول المستفيدين من نتائج البحوث. عندما تجد القسم الأكاديمي غارقاً في المعاملات الإدارية، ودون ميزانية، ودون صلاحية، وغيرها مما لا يقدم دليلا على حيوية، فلا يمكن التوقع بأن القسم يعمل بمفهوم الحيوية. للتوضيح أكثر؛ عندما لا يكون هناك أسبوع استقبال مناسب ومثير للطلبة الجدد، ولا يوجد سجل فصلي مخطط له لأنشطة اجتماعية وثقافية وعلمية، ومعظم أعضائه لم تصل لهم حقيقة الجودة سوى مجرد أعمال ورقية، وطلباته الملحة التي تتطلب دعما ماليا تجد الرفض أو التعقيد، وطلباته الأكاديمية تتعطل بسبب اعتراض غير علمي من قسم آخر، وغيرها من الإشكالات المعروفة وغير المعروفة والمبررة وغير المبررة، فهذا بالتأكيد لن يصب في مصلحة البحث العلمي ولا التعليم ولا خدمة المجتمع. أخيرا، ومع كل ما تقدم يمكن القول: إن هناك عملاً كبيرا لابد من القيام به، حتى تتحقق الحوية المطلوبة، ومع الجهود الحثيثة الحالية والمستقبلية لعل الجيل القادم ينعم بثمارها بحول الله وقوته، وهذا والله من وراء القصد.
أ. د. علي بن معاضة الغامدي
إضافة تعليق جديد