الإبداع والابتكار ودور الجامعات في الاقتصاد الحديث

 

الإبداع هو القدرة على إنتاج عمل جديد. أما الابتكار فهو تطبيق عمل جديد، سواء كان منتجاً أو خدمة أو عملية، وهو يعنى بتحويل الفكرة الإبداعية أو الاختراع إلى عمل تجاري له قيمة ويمكن تسويقه. ويمكن أيضًا النظر إلى الابتكار على أنه أفكار جديدة يتم إنتاجها وتسويقها لأول مرة، وهذا يندرج تحت نمط المنتجات والخدمات التي يكون لها دافع تقني جديد. الابتكار هو نتيجة التعليم والبحث العلمي الذي يؤدي إلى الوصول إلى أفكار وأعمال ومنتجات جديدة، أو تطوير وتحسين ما هو موجود بالفعل، ونقل ذلك خارج نطاق المؤسسات البحثية والمشاركة مع قطاع الأعمال والمجتمع، وتطبيق تلك الابتكارات وتحويلها إلى منتجات وخدمات. أصبحت الابتكارات والأفكار الجديدة هي العملة الأساسية للتقدم والنجاح؛ مما أدى إلى الاقتصاد القائم على الابتكار، والذي يمثل اليوم ركيزة أساسية في استراتيجيات التنمية.

تقوم الجامعات في وقتنا الحاضر بدور محوري في الاقتصاد القائم على الابتكار، حيث تمثل جزءا مهما في سلسلة إنتاج المعرفة الابتكارية والمهارات ونقلها إلى مجالات الأعمال المختلفة. ويعد الابتكار عاملاً أساسياً مهماً في الجامعات، ويساعد على استخدام وتوظيف أنشطة ومخرجات المشروعات البحثية في خدمة المجتمع؛ وبالتالي تحقيق عوائد مالية مجدية.

مع نهاية القرن العشرين بدأت الجامعات في الدول المتقدمة بتقديم برامج للإبداع والابتكار وريادة الأعمال والتركيز على الأبحاث البينية متعددة التخصصات والأبحاث التطبيقية لزيادة قيمة المنتج وكذلك حل مشكلات الأعمال، بالإضافة إلى التركيز على نقل التقنية بين الجامعات ومنظمات الأعمال المختلفة. كل ذلك أصبح يدخل في صميم عمل الجامعات، ويتكامل مع مهامها الأخرى فهو نتيجة التعليم والبحث العلمي الذي يؤدي إلى أفكار إبداعية والوصول إلى منتجات وأعمال جديدة يرقى بها في سلم «الجاهزية والنضج التقني». التعليم والبحث العلمي يتضمنان أساليب وطرقاً ومنهجيات كثيرة تساعد على تنمية الإبداع ودفع عجلة الابتكار في الجامعات.

تكمن القيمة الحقيقية لأي مؤسسة، بما في ذلك الجامعات، في رأس المال الإبداعي الذي يعتمد في الأساس على رأس المال البشري القادر على توليد أفكار جديدة مناسبة وبجودة عالية تؤدي في النهاية إلى ابتكارات ذات قيمة اقتصادية، وبالتالي يعتبر رأس المال الإبداعي من أهم الموارد التي يمكن للجامعات من خلالها المنافسة ودعم مواردها. الجامعات هي المؤسسات التي تحتضن رأس المال البشري وهي من يحتضن أيضا رأس المال الإبداعي أكثر من غيرها لوجود أعضاء هيئة التدريس والباحثين والطلاب، وبالتالي فهي مخزون ضخم من المعارف والمهارات والإمكانات التي يمكن أن تحقق عوائد كبيرة من ابتكاراتها. وهنا يجب التركيز على رأس المال الإبداعي والاستفادة منه بشكل صحيح وتذليل الصعوبات التي تحول دون الاستفادة من الإنتاج الفكري للجامعات وتحويله إلى منتجات وخدمات منافسة في مجالات الحياة المختلفة، وتسهيل التحول من الحالة الجامعية الإبداعية إلى الحالة الجامعية المنتجة المبتكرة. وهذا يجعل الإدارة لرأس المال البشري أولوية قصوى وتحدياً كبيراً للجامعات

أسست الجامعات كيانات ومراكز ووحدات تهتم بالابتكار وإدارته، وترعى سلسلة الترابط بين المكونات الرئيسية للابتكار من بداية الفكرة وحتى الاستثمار التجاري. كما برزت مؤسسات التقنية الوسيطة بين الجامعات والقطاعات المستفيدة ومراكز نقل التقنية والشركات الناشئة وحاضنات الأعمال وبرامج الشراكة المختلفة التي تدعم الابتكار في الجامعات واستغلال المنتجات المعرفية المختلفة وتحويل مخرجات البحث العلمي إلى منتجات وخدمات منافسة. كما تشجع البرامج الحكومية في الدول هذا الدور المهم للجامعات من خلال حث ودعم الجامعات على نقل وتحويل الابتكارات للإسهام في بناء اقتصاد قائم على الابتكار. هذه النوع من الكيانات يقوم بتسهيل نقل التقنية من الجامعات إلى مجالات الأعمال المختلفة من دعم الخبرات التسويقية للابتكارات والنشر والترويج لها في المجتمع، ويزيد من الاستفادة من إمكانات الجامعات في تقديم مهارات عالية الكفاءة وأبحاث أساسية وعملية عالية الجودة ونشر ثقافة البحث والابتكار.

هناك نماذج مختلفة وتجارب عالمية ناجحة ومتعددة حول طريقة إدارة الابتكار وتنمية رأس المال الإبداعي في الجامعات ولكل نموذج مميزاته وبيئته المناسبة. ومن النماذج الشائعة في الجامعات العالمية، تبنى العديد من الجامعات نموذج الشراكات الاستراتيجية مع القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية، فجامعة ستانفورد، على سبيل المثال، تعتبر رائدة في هذا المجال، حيث تتعاون بشكل وثيق مع وادي السيليكون لتوفير فرص التدريب والتوظيف لطلابها، بالإضافة إلى تشجيع ريادة الأعمال. ومن النماذج أيضا، وجود مراكز مخصصة للابتكار وريادة الأعمال، والتي تهدف إلى دعم الطلاب والباحثين في تحويل أفكارهم الإبداعية إلى مشاريع تجارية ناجحة مثل تجربة جامعة ماساتشوستس للتقنية (MIT) التي توفر مثالًا بارزًا من خلال معهدها للابتكار وريادة الأعمال وكذلك جامعة سنغافورة الوطنية ومعهد جامعة كامبريدج للابتكار وغيرها من التجارب الناجحة. ومن النماذج أيضا حاضنات الأعمال ومسرعات النمو والشراكات الدولية والبرامج التعليمية المركزة على الابتكار. ويمكن الاستفادة من تلك التجارب في إعادة النظر في الهياكل المعنية بإدارة الابتكار وتنمية رأس المال الإبداعي وكيفية تفعيل شراكة مجتمعية قوية.

الإبداع والابتكار هما العمود الفقري لمستقبل مزدهر ومستدام والجامعات بما تحمله من مسؤولية ونقاط قوة تقف في قلب هذه العملية، مساهمة في بناء جيل جديد قادر على التفكير الإبداعي والابتكار ودفع عجلة التقدم إلى الأمام من خلال برامجها وهياكلها المعنية بذلك.

أ.د. عبدالرحمن بن مشبب الأحمري

أستاذ الهندسة الصناعية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA