البحث العلمي بين الإطار الشكلي والموضوعي

 

كنت أناقش أحد طلاب الدراسات العليا حول المسودة البحثية المقدمة في المقرر، وتركزت معظم تساؤلاتي حول الجوانب الشكلية ترتيب الجُمل وكتابة الفقرات ووضع النقاط والفواصل والاستشهادات المرجعية. بدأت أقرأ كل جملة، وأحاول إعادة صياغتها وربطها بالجملة الأخرى. أخذ النقاش وقتاً طويلاً، وشعر الطالب بالضجر قائلاً: يا دكتور لا تدقق المهم الفكرة والمضمون، وليس الإطار الشكلي للبحث! إن أحد أهداف البحث العلمي يتمثل في قياس مدى قدرة الباحث في تفسير الظواهر العلمية واختبارها، أو تحليل العلاقات بين المتغيرات والحوادث المختلفة وصولاً لنتائج يمكن تعميمها. ومع ذلك، يعتقد العديد من الباحثين وطلاب الدراسات العليا أن الهدف من إعداد البحوث والرسائل العلمية يتحقق بالوصول إلى نتائج أو حلول للمشاكل بغض النظر عن الإطار الشكلي. وقد لا أجافي الحقيقة بالقول إن الهدف الرئيس للبحوث والرسائل العلمية في الجامعات يتمثل في اكتساب الطالب أو الطالبة مهارة الكتابة البحثية في الجانب الشكلي يفترض أن يأتي موازياً للإطار الجوهري. غالباً ما يعمل الطالب على إعداد مجموعة من الأبحاث الصغيرة في المقررات وهي فرصة جيدة يتدرب من خلالها على الكتابة وطريقة ترتيب تقرير البحث. وفي المُجمل، تعمل هذه الأبحاث على تنمية وتطوير أداء الطالب قبل المُضي قدماً في مراحل إعداد الرسالة. في الحقيقة، لازالت هناك صورة مغلوطة لمفهوم البحث العلمي لدى كثير من طلاب الجامعات، فالبعض يعتقد أن البحث هو مجرد تجميع وتلخيص لمحتويات الكتب ثم عرضها بصياغة أخرى، وهو ما يمكن أن نطلق عليه مجازاً «بحوث المدارس». وفي المقابل، يرى بعض الطلاب أن البحث العلمي هو مُجرد مضيعة للوقت فالعلم مكتوب ومدون في الكتب والمراجع فلماذا نعيد اجترار المعلومة؟ لقد أصبحت الحاجة ماسة لإعادة صياغة مفهوم واضح للبحث العلمي في الجامعات يؤكد على إنتاج مخرجات بحثية ذات قيمة علمية يمكن الاستفادة منها. والأهم من ذلك كله أن يتعلم الطالب الطرق المنهجية للكتابة، فمهما كانت النتائج فالأخطاء الشكلية تقلل من جودة البحث، وتعطي انطباعاً جازماً بضعف المحتوى العلمي.

د. وليد الزامل

أستاذ مشارك في قسم التخطيط العمراني

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA