من الطبيعي أن يُوجًه الاهتمام الجل في التخطيط ووضع الاستراتيجيات الحديثة في تربية وتعليم الموهوبين من قبل جميع دول العالم، سواءً كانت المتقدمة منها أو التي تريد ألا تتخلف عن قطار التقدم،
تلك الفئة من الطلاب التي يقع عليها عبء التقدم والإبداع في العلم والتكنولوجيا ، تلك الفئة التي يقع عليها عاتق التغيير المستقبلي في شتى مناحي الحياة المجتمعية والاقتصادية والتكنولوجية، وحل الكثير من المشكلات التي تواجههم وتواجه مجتمعاتهم بطرق إبداعية وابتكارية، وكثيراً ما تعتمد عليه الكثير من الدول في تنفيذ مهام التطوير والاختراع والتقدم.
وكان لزاماً على هذه الدول أن توفر لموهوبيها الرعاية الشاملة في تعليمهم، وتوفير جميع الإمكانات لهم في بيئة تعليمية تساعد على الابتكار والإبداع، وتعمل على تنمية مواهبهم والاستفادة منها، وتخاطب مستويات التفكير العليا لديهم، من خلال خطط واستراتيجيات عالية الجودة، ناتجة عن أبحاث ودراسات تخص واقعهم ومستقبلهم العلمي والمهني لتحقيق أقصى الاستفادة من مواهبهم الخلاقة.
وفي الحقيقة يجب أن يصب جزء كبير من هذا الاهتمام على معلم الموهوبين، حيث يقع عبء كبير على معلم الموهوبين في تنفيذ هذا التخطيط، لأنه يحتاج إلى فهم ودراسة خصائص الموهوبين النفسية والعلمية والشكلية، وطرق التعامل معهم وتوفير متطلباتهم التعليمية، واتباع طرق مختلفة لتعليمهم، ومراعاة الفروق الفردية بينهم، والسرعة التي يتعلمون بها، وأن يمتلك العمق القوي المفاهيمي والوظيفي لمادته، والتي تختلف عن المعلم العادي، فضلاً عن سماته الشخصية المرحة واهتماماته ومدى جاهزيته المهنية والوظيفية للتعامل مع الموهوبين، وكيف يتحدى قدراته ويستثير دوافعهم، حتى ينمي الموهبة لديهم.
فهل قدمنا لمعلم الموهوبين الإعداد الكافي للتعامل مع الطلاب الموهوبين؟ هل خصصنا له تعليماً مغايراً لما يقدم للمعلم العادي؟ وماذا أعددنا له من تدريبات تتم له على التوازي أثناء إعداده وأثناء الخدمة وتعليمه ورعايته للموهوبين؟ هل معلم الموهوبين قد درس صفات وخصائص الموهوبين الشكلية والجسمية والانفعالية والعقلية والقيادية ليتكيف في التعامل معهم؟ هل هو مستعد وتعليمهم ورعايتهم؟ هل لديه القدرة على التعامل مع بيئاتهم الأسرية وتبصير أهليهم بما عليه أبناؤهم وما يمتلكونه من قدرات عالية إبداعية؟ أم أننا وضعنا وسخرنا كل الطاقات والاستراتيجيات للموهوبين، ونسينا أن المحرك والموجه الأساسي لذلك هو معلمهم، إن كنا فعلنا ذلك فقد أنشأنا سفينة بأحدث التجهيزات لتبحر بركابها، ونعلم أين ستسير، ولكن بدون قبطان يوجه بوصلته، ويدير دفتها إذا ما علت الأمواج، أو واجهت صعوبات في طريقها.
هل يوجد لدى كليات التربية في المملكة خاصة، وفي العالم العربي عامة أقسام لإعداد معلم الموهوبين؟، أم يتم إعداده بالطرق العادية والتقليدية، ويترك له بعد تخرجه اجتهاداته الشخصية والعلمية في التعامل معهم، إذا ما تم تعرضه وبدون سابق إنذار للتدريس لهم.
إذا كنا نريد أن نسير على خطى متقدمة في تعليم الموهوبين يجب علينا إعداد معلم الموهوبين الإعداد الكافي أثناء وبعد الخدمة، حتى يكون حصد النتائج في تعليمهم عالي الجودة، ويكون المنتج التعليمي فيهم رائع الإبداع، وقد كانت وما تزال جامعة الملك سعود مشكورة في ذلك، في تقديم الرعاية الفائقة لطلابنا الموهوبين بالجامعة، وشكلت لذلك لجاناً داخلها وداخل كلياتها وعاداتها لرعايتهم وتقديم الخدمات العلمية والتعليمية لهم، وتوفير بيئة تعليمية تناسب قدراتهم، بل وتراعي نتاجاتهم الإبداعية، وتتبناها وتعمل على استثمارها في شتى النواحي العلمية والتطبيقية والإبداعية، ولكن على الجانب الآخر، فإنه يجب أن نوجه جل اهتمامنا المستقبلي وبأننا في حاجة ملحة إلى مراجعة ذاتية في إعداد معلم الموهوبين داخل الجامعة ورفع كفاياتهم ليكونوا على الوجه الأكمل في رعايتهم لطلابنا الموهوبين، وتأهيلهم وتدريبهم كذلك أثناء الخدمة، حتى نحقق التوازن في إعدادهم، وتحقيق أعلى النواتج التعليمية الممكنة في إبداعات طلابنا الموهوبين بجامعة الملك سعود ومملكتنا الحبيبة لعالمنا العربي والإسلامي، وليكونوا وقوداً للتنمية والتقدم المزدهر بها.
د. هشام عبده عبد الغفار
أستاذ المناهج وطرق تعليم وتدريس الرياضيات المساعد
منسق رعاية الموهوبين - قسم العلوم الأساسية
السنة الأولى المشتركة
إضافة تعليق جديد