فلسفة العلم ودورها في ردم الفجوة بين الفلسفة Philosophy والعلم Science

 

 

نبحث في هذا المقال المتواضع عن أهم المواضيع الفلسفية والعلمية والجدلية عبر القرون الثلاثة الماضية. ففي بداية القرن الثامن عشر انفصل العلم عن الفلسفة بعد أن كانت الفلسفة والعلم مفهومين مترادفين لا يوجد بينهما فروق. وكان هذا المفهوم هو السائدة لعدة قرون قبل أن يتجه العلماء التجريبيون، ومنهم إسحاق نيوتن لدراسة الظواهر الطبيعة عن طريق الملاحظة والتجربة، وأصبح كل علم يفسر جزءاً من العالم بعيدا عن الفلسفة. وأجريت الملاحظات الدقيقة، وأصبحت نتائج هذه التجارب العلمية معممة ومتاحة للجميع؛ ومن هنا حصلت الفجوة بين العلم والفلسفة: إلا أن هذه الفجوة أضرت بالعلم والفلسفة على حد سواء. وانتبه العلماء والفلاسفة لهذه الفجوة، وبدأوا ينظرون إلى المشكلات المتعلقة بعلومهم الفلسفية نظرة دقيقة وجادة، ومن هنا ظهر مفهوم فلسفة العلم.

في عشرينيات القرن التاسع عشر ظهر مصطلح (العالِم) أو فيلسوف العلم (Scientist) ليتحول النشاط المعرفي إلى مجال احترافي، وبالتالي أصبحت معالم فلسفة العلم واضحة، وأصبح البحث العلمي هو الطريق في البحث عن المعرفة والنظريات. وظهر هذا المصطلح أصبح هناك دلالة واضحة على أن البحث العلمي ترسمت معالمه، وأصبحت هناك طريقة علمية في إنتاج المعرفة. وساد اتجاه في ذاك الزمن بأن المنهج العلمي هو الاستقراء. وظهر الجدل بين الفلاسفة عن الاستقراء، وطرقه، ومبرراته، ونتائجه.

ثم أفاقت البشرية في بدايات القرن العشرين على الثورة الفيزيائية الكبرى بظهور نظرية الكوانتم، وتلتها بخمس سنوات النظرية النسبية التي فتحت المجال للثورة العلمية، وانطلاق العقل البشري للتفكير بحرية، فكانت الاكتشافات والاختراعات المتوالية. وتخلى أصحاب النزعة الاستقرائية عنها، وقالوا إن الفلسفة لا فائدة منها، وأنها لا يمكن أن تنجز مثل ما ينجز العلم، وعلى ذلك توجهوا إلى منطق العلم. وأصبحت فلسفة العلم ومناطقها هي السائدة.

وفلسفة العلم هي الفلسفة التي تفكر في ذات العلم، وفي منهجه ومنطقة خصائص المعرفة العلمية وشروطها: أي أنها تفكر في المعرفة (Epistemology). وهي الفلسفة المسؤولة عن أصول التفكير العلمي وعن تاريخ العلم ووضعه ودوره. وبرز مفهوم أن العلم لا يفهم إلا بفلسفته. وبرزت فلسفة العلم بوصفها بحثاً تخصصياً مستقلاً -عن الفلسفة والعلم- له أدبياته وفلاسفته، رغبة في تكوين المعرفة بالمعرفة العلمية أو تكوين نظرية عن النظرية العلمية.

وتعتبر فلسفة العلم أنها أحد أنواع الفلسفة التي تدرس الطرق والأسس الموجودة في العلوم المختلفة كالفيزياء والكيمياء والرياضيات أو العلوم الاجتماعية كعلم النفس والاجتماع والسياسة. وهي الوسيلة المعرفية التي تدرس المنهج العلمي وتخضع للبحث، ومن أبرز علمائها أينشتاين وغاليليو وإسحاق نيوتن وكارل بوبر. ومواضيعها هي السببية والتحقق من النتائج والنظريات وصياغتها.

وكانت بداية نشأة فلسفة العلم مع بروز ما يعرف (بـفيلسوف العلم) أو (فلسفة العلم)، عندما بدأ التفكير في مدى الموثوقية بالنتائج التي تعتمد على اتباع المنهج العلمي في تنظيم عملية اكتساب المعرفة العلمية، حيث كان ذلك المنهج العلمي يعتمد على الاستقراء (Induction) في الوصول إلى نتائجه وهو عكس الاستنباط (Deduction. وبدأ التشكيك في تلك النتائج والطريقة العلمية المتبعة. وكانت حجة المشككين باستحالة أن تكون الملاحظة دقيقاً ومحايدة، وطبيعة الاستقراء أنه ناقص بسبب عدم التمكن من ملاحظة كل شيء. ويقولون إن التنشئة والنظريات التي يمتلكها العالِم في عقله عند وضع النتائج تؤثر في نتائج الملاحظة ووضع الفرضيات. وكانت طرق الاستقراء عند العلماء تبدأ بالملاحظة التجريبية الدقيقة للظاهرة، ثم تعميمها، ثم افتراض فرض، والتحقق منه، وكان من أبرز الفلاسفة المتشددين في النزعة الاستقرائية هو جون ستيورات مل John Stuart Mill)) وهو مِمن تفانوا في صياغة الاستقراء كمنهج يُتبع في الطريقة العلمية. قابل هذا التفاني معارضة ومخالفة من وليم هيول ((W.Wewll بفلسفته التي تعتمد على أن العلم لا يمكن إدراكه إلا من خلال الوعي بتاريخ العلم.

ومن أمثلة فلسفة العلم في نقد الطريقة العلمية هي نظرية الدحض أو قابلية التكذيب (Falsifiability) التي أتى بها الفيلسوف النمساوي الإنجليزي كارل بوبر Karl Popper)) المتخصص في فلسفة العلم، والتي خالف بها منهج العلم التجريبي الذي أتى به فرانسيس بيكون (Francis Bacon). وتقوم هذه النظرية على أنه يمكن الإتيان بنظرية علمية، وتأتي فيها بمليون عينة من البجع الأبيض، ثم تُعمم إن البجع كله أبيض، إلا أن واحد لونها أسود كفيلة بدحض هذه النظرية وتكذيبها. وهو ما حصل بالفعل.

وهكذا هي فلسفة العلم قائمة على تبرير المعرفة والبحث في طرقها وأساليبها وتعليماتها الاستقرائية، وكانت هذه من نتائج الثورة الفيزيائية الكبرى في القرن العشرين. ومع دخول القرن الواحد والعشرين دخلت الرياضيات التطبيقية للعلوم، والتي أظهرت تأثيرها الإيجابي في جميع مناشط الحياة المادية والإنسانية، وظهر مفهوم بينية العلوم والتقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي. وأصبح يُنظر إلى الفلسفة والعلم مفهومين مختلفين.

محمد حسن البحيري

باحث دكتوراه في المناهج وطرق التدريس

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA