للعلم هيبة وللعالم مهابة وهكذا كان أ.د. محمد الهدلق – رحمه الله. من الرعيل الأول من أساتذة اللغة الكبار الذين نهلوا من ينابيع العلم والمعرفة، وأثروا الساحة المعرفية إثراء كبيرا، وكان يتمتع برصانة العالم وعمق المتبحر. وحين تجلس معه تجد ثراء المعرفة وهو يطوف بك في آفاق اللغة بأسلوبه الماتع ولغته الرفيعة الجذابة.
كان أبو خالد متنسكا في مكتبه، ارتبط بالكتاب والقرطاس، فتفرغ للمعرفة والعلم؛ وتألق في سماء اللغة بأبحاثه المتميزة ودراساته الجادة فعرفته ميادين العلم نجما يزودها بأشعة المعرفة. واختارته المؤسسات المرموقة ليكون عضوا في لجانها فقدم لها وأجاد بعطائه؛ فكان كالغيث أينما وقع نفع.
اتصف رحمه الله بسمات شخصية عالية، من المثابرة والجدية، وكأن الشاعر عناه بقوله:
نفس عصام سودت عصاما *** وعلمته الكر والإقداما
لقد رسخ لنا – رحمه الله – نموذجا متميزا في الجدية والعمل المتقن، ومن عمل معه في مناصبه العديدة رئيسا لقسم اللغة العربية وعميدا لكلية الآداب (العلوم الانسانية والاجتماعية) يعرف إخلاصه لدينه ووطنه؛ فهو يقضي الساعات الطوال في قراءة الملفات والموضوعات، وكان خبيرا وعلى دراية بأنظمة ولوائح الجامعة، فلا يصدر بأمر إلا بعد تمحيص واستفراغ الوسع مراعيا المصلحة العامة ومصلحة الإدارة التي يقوم عليها.
عرفته صادقا محبا لأبنائه الطلاب، حريصا على زملائه يتلطف بالنصيحة وإيصال الرسالة، وقافا عند الواجب مؤديا لما يطلب منه بكل أمانة.
وإن أنس لا أنسى الحوارات التي تدور بيننا عند زيارته بمكتبه، التي نغترف منها علما وأخلاقا، فكلما ازددت معرفة به زاد إجلالي لمقامه. وذات يوم اختلفت معه (وأنا تلميذ بين يدي عالم جليل) في موضوع ظننت أنه حمل في نفسه، وإذا بي أفاجأ بحلم وأدب رفيع بتلطفه معي. وهكذا هي أخلاق الكبار.
ننعى اليوم رحيل أبي خالد أ د محمد الهدلق، ونشيعه بدموعنا الثكلى:
أَهكَذا البَدرُ تُخفي نورَهُ الـحُفرُ *** وَيُفقَدُ العِلمُ لا عَينٌ وَلا أَثَرُ
خَبَت مَصابيحُ كُنّا نَستَضيءُ بها *** وَطَوَّحَت لِلمَغيبِ الأَنجمُ الزُهُرُ
سائلين المولى أن يتغمده بواسع رحماته، وأن يسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
د.عادل عبد القادر المكينزي
قسم الإعلام
إضافة تعليق جديد