«لماذا نتعلم»؟ سؤال قد يبدو في حد ذاته بسيطًا وباهتًا وسطحيًّا أي غير قابل للنقاش أو الرأي أو الجدل أو الاختلاف. لكن دعونا نبدأ هنا بسرد شيء من مناقب العلم وسماته وفضائله، وخير ما نبدأ به قول ربنا تبارك وتعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» ﴿الزمر: ٩﴾، كذلك قوله عز من قائل: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» ﴿فاطر: ٢٨﴾، وقوله -عز وجل- لنبيه الكريم: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» ﴿العلق: ١﴾، وكذلك قوله تبارك وتعالى: «يَرفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُم وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلعِلمَ دَرَجَٰتٖ» ﴿الـمجادلة: ١١﴾. كما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة كثير من الحث على طلب العالم والترغيب فيه، وتحمل المشقة لنيله، فهذا حديث يرويه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة)، رواه مسلم. وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا بهذا الدعاء: (اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا) رواه النسائي. وهذا غيض من فيض؛ مما يحفل به القرآن المجيد من آيات كريمة وما ترويه السيرة النبوية من أحاديث شريفة كلها تدعو للتأمل والتمعن التفكر لما فيها من تمجيد وإشادة وتكريم وتبجيل للعلم والعلماء. إن ما يراد طرحه هنا هو «لماذا نتعلم»؟ وما الغاية من ذلك التعلم؟ هل هو حب وشغفُ بالعلم من قبيل الزهو والتفاخر وحمل الشهادات والألقاب أم من أجل التعلم والتبصُّر واكتساب المعرفة والاكتشاف؟ ولعل الأبعد من ذلك هو: هل نعمل بما تعلمناه وما نتعلمه ولأيِّ الغايات نستخدم هذا العلم. على أية حال فمهما كانت الوسائل والغايات لهذا التعلم فالعلم يعني الارتقاء بوعي الإنسان وتوسيع مداركه وترهيب أحاسيسه وتنقية أفكاره وتحويل حياته لأن تكون أكثر فاعلية وحيوية وجودة وجدية وجدوى. لذلك فنحن نتعلم من أجل تقويم النفس وتهذيب الروح وتنقية الوحدان لتسير حياتنا في مسارات سلسة سليمة مستقيمة لا عوج فيها، ولنصبح من بعْـدُ أناس أسمى خُـلقًا وأكثر رقيًّا وأحسن سلوكًا، بيْدَ أنَّ هذه المتطلبات قد لا تتأتى بيسر وسهولة، وإنما بالتضحية والجهد والمعاناة وإبَّان القوَّة والفتوَّة، وليس في أواسط أو أواخر العمر: «يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ، وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» مريم: ١٢، إذن نحن نتعلم من أجل تحصيل الحكمة: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ، فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ» البقرة: ٢٦٩، والحكمة أرقى مستويات التحصيل في التعليم، فالحِكمةُ مرجِعها إلى العدل والعلم والحِلْم فهي الغاية، وهي مقترنة بالسلوك السوي، وتعرف الحكمة على أنّها صفة أو حالة أو مرحلة يتم من خلالها التمييز ما بين المقبول وغير المقبول مقترنًا بِحُكمٍ عادل وفكر نيِّر وبصيرة نافذة. وتشمل الحكمة المَلَكة والقدرة على التعلّم والتلفّظ بأقوال رصينة حكيمة والتصرف بعقلانية وبصيرة، كما تمتاز (أي الحكمة) بأنها مزيج بين المعرفة والخبرة والفهم العميق للتسامح والتوازن. إذن نحن في الواقع نتعلم لنبتغي الإصلاح: «إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» هود: ٨٨، إذن لا بد لنا أن نبتغي العلم دائمًا من أجل الصلاح والإصلاح كلما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وإلا فلا جدوى من علمٍ نسعى به إلى خراب أو فتك أو تدمير لمن حولنا أو للبشرية مثلما يحدث الآن في الكثير من الدول وما ينتج عن الأبحاث العلمية من أسلحة تدميرية فتاكة تؤثر سلبًا على حياة الأمم والشعوب، وتقضي على حضاراتها ومقدراتها.
إن ما ذكر آنفا ليس سوى بعض الإضاءات التي نحتاجها في حياتنا اليومية لنتفكر في أهدافنا وأسباب سعينا للتعلم، ونسأل أنفسنا دائمًا لماذا نتعلم؟ وهل تحقق لنا شيئاً من علمنا، فإذا كانت الإجابة غير مقنعة أو مرضية، فهذا يعني أن ثمة شيئاً من الخلل في تعلمنا، وإذا كان الأمر كذلك فدعونا نتفكر ونتأمل في قوله تعالى: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولاً» الإسراء: ٣٦.
الأستاذ الدكتور عبدالله محمد الشعلان
كلية الهندسة
إضافة تعليق جديد