قبل نحو ثلاثة قرون، وتحديدًا يوم 22 فبراير من عام 1727م فتح الإمام محمد بن سعود نافذة على التاريخ، وكُتبت الحكاية، ونُقشت أمجاد الأبطال الذين بنوا مجدًا عريقًا نمى يومًا بعد يوم، حتى صار يوم «السعودية العظمى». واليوم نحتفي بها، ونفرح ونفتخر بذلك الطريق الذي اخترق المستحيل.
البداية كانت من الدرعية، حيث شهدت استقراراً داخلياً منذ تولى الإمام محمد ابن سعود عليها، وكانت قوتها آخذة في الازدياد، وعندما وصل الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية رحب به الإمام محمد بن سعود غاية الترحيب، ووعده الحماية والتأييد والوقوف مع دعوته، ومهما اختلفت تفاصيل الروايات حول الطريقة التي تم بها اللقاء بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود، وما دار بينهما في اللقاء، فإنها تتفق على أنهما تبايعا على أن يعملا في سبيل الدعوة الإصلاحية، ونشرها بكل ما يستطيعان من الوسائل. وقد كان ذلك التحالف التاريخي بين القرار السياسي والمشروع الديني هو القاعدة الأساسية لتأسيس الدولة السعودية.
استغرق توحيد نجد قرابة أربعين عاماً، ويبدو أن من أسباب ذلك ما تعمق في نفوس كثير من أمراء بلدان المنطقة، وزعماء قبائلها من نزعة استقلالية محلية وشعور سلبي تجاه الوحدة الإقليمية. وفي ثنايا توحيد نجد وبالذات في نهاية ربيع الأول من عام 1179ه توفي الإمام محمد بن سعود. فخلفه في الحكم ابنه عبدالعزيز الذي كان متمرساً في أمور الدولة العامة، وبارعاً في القيادة العسكرية.
في عام 1198ه بدأ قادة الدولة السعودية جهودهم لضم الأحساء، ومن أعظم دوافعهم إلى إدخال تلك المنطقة تحت نفوذهم الرغبة في نشر الدعوة الإصلاحية التي آمنوا بها، وفي عام 1208ه أصبحت الأحساء جزءاً من الدولة السعودية الأولى.
في الحجاز كان لأشراف مكة نفوذ في بعض الأقاليم النجدية قبل قيام الدولة السعودية الأولى. لكنه كان يضعف تدريجياً لتلاشي قوة العثمانيين التي يتبعون لها من الناحية الرسمية. واختلفت المصادر حول الطريقة التي وصلت بها أخبار الدعوة الإصلاحية النجدية إلى الحجاز، لكنها اتفقت على أن الشريف مسعود شريف مكة آنذاك منع النجدين من أداء الحج، وموقفه هذا موقف عدائي واضح، وقد سار على خليفته أخوه مساعد على نهجه، ولما تولى شرافة مكة أحمد بن سعيد سنة 1184ه تحسنت العلاقة بينه وبين قادة الدولة السعودية الأولى، ولم تستمر هذه العلاقة أكثر من عام، حيث أبعد الشريف أحمد عن الحكم، وحل محله إبن أخيه سرور بن مساعد، وعادت العلاقات بينهما إلى سابق سوئها. ولم يسمح لأتباع الدولة السعودية بالحج إلا سنة 1197ه. وحين توفي الشريف سرور سنة 1202ه خلفه في الحكم أخوه غالب. وفي عام 1205ه كانت أول حملة عسكرية جهزها الشريف غالب ضد الدولة السعودية، واستمرت المعارك والتجاذبات بينهما عدة سنوات، وفي الثامن من شهر محرم سنة 1218ه أصبحت مكة المكرمة تحت حكم الدولة السعودية الأولى.
وفي عام 2011ه اتجهت أنظار قادة الدرعية إلى مد نفوذهم على عسير؛ نتيجة ضمهم الجهات المتاخمة لها من الناحية الجنوبية الشرقية. وفي عام 1213ه ضُمت بيشة تحت الحكم السعودي، ولا شك أن دخول بيشة ضمن الدولة السعودية الأولى كانت من الخطوات التي مهدت الطريق إلى عسير، إضافة إلى اقتناع أميرها آنذاك عبدالوهاب أبي نقطة وأخيه محمد بالدعوة الإصلاحية.
في عام 1215ه بدأت انتشار الدعوة الإصلاحية في المخلاف السليماني (جازان) على يدي أحمد بن حسين الفلقي من صبيا، وعرار ابن بشار أمير بني شعبة. وعندما انتشرت الدعوة بسرعة بين السكان أدرك بعض الزعماء هناك ما قد يترتب على ذلك من أبعاد سياسية وقفوا ضدها عسكرياً، ودارات المعارك بينهم وبين القوات السعودية، لكن في النهاية اضطر المعارضون إلى طلب الصلح والعفو من الإمام سعود بن عبدالعزيز، وذلك في عام 1224ه.
وفي عام 1224ه بعث زعماء نجران ممثلاً عنهم إلى الإمام سعود بن عبدالعزيز، والإمام أرسل إليهم رسالة مع ممثلهم شرح لهم المبادئ التي تسير عليها دولته، وبدأت قبائلها تؤدي الزكاة للإمام سعود بن عبدالعزيز.
وهكذا توحدت معظم مناطق الجزيرة العربية في دولة واحدة لم ير لها مثيل من قبل باستثناء فترة قصيرة من فجر التاريخ الإسلامي.
وفي الأخير يمكن القول إن يوم التأسيس يوم مشهود تتألق فيه صفحات مشرقة من تاريخ المملكة العربية السعودية، والتي إلى الآن تمضي بإيمان على درب المعالي. أدام الله عزها، وأمنها، وحفظ قيادتها وأهلها ومن وطئ أرضها، وعاش في كنفها.
عبدالعالم السامعي
طالب دكتوراة
كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية
قسم التاريخ
إضافة تعليق جديد