بعد الرؤية.. أصبحت المساحة أوسع لخريجي طلاب وطالبات التاريخ

 

 

يوم التأسيس شكل هوية جديدة وبديلة لهذا البلد

حوار: ريان الهاجري 

أكد د. فارس المشرافي رئيس قسم التاريخ لرسالة الجامعة مدى احتياج الناس للتاريخ الذي من خلاله يعرف المجتمع ماضية لتخطيط مستقبله.. وإليكم تفاصيل الحوار: 

 

ـ في البداية .. كيف يساهم التاريخ في المحافظة على الهوية الوطنية؟

التاريخ هو المصدر الوحيد لذكرياتنا، وتكمن أهمية الذكريات أنها تحدد من نحن وبالتالي ما هي هويتنا. ذكرياتنا هي في الأساس تجاربنا، فعندما نذكر تجاربنا فنحن نحدد هويتنا. ولهذا السبب نحن بحاجة أن نعيش تاريخنا من خلال الذاكرة الجمعية وإقامة الاحتفالات بالأيام الوطنية، وأن نحدد الأحداث والشخصيات التي تعزز نسخة هويتنا، فمن خلال تاريخنا نحدد كيف نريد أن نصبح.

نحن أردنا أن نكون سعوديين، وهنا التاريخ يمنحنا التفسير والتحليل لخلق ذكريات بديلة يتعين التعامل معها. فمثلاً يوم التأسيس شكل هوية جديدة وبديلة لهذا البلد،. قبل الدولة السعودية، كان المجتمع منقسماً على أساس قبلي وأسري ومناطقي، وربما في حالات ضيقة طائفي، فلكل فئة أو قبيلة أو منطقة أو طائفة هوية خاصة بها، وإن تشابهت في كثير من الأحيان، لكنها ليست مؤشراً حقيقياً على هويتنا الآن، بذكرياتنا لما قبل تأسيس الدولة السعودية لا تجمعنا على هوية واحدة، وإنما تفرقنا. الذاكرة الجمعية التي تشكلت بعد تأسيس الدولة السعودية حلت بديلة لما قبلها، وبالتالي التاريخ هنا يمنحنا أن نفسر ونحلل ملاحم التأسيس التي شكلت هويتنا التي نعيشها الآن.

وانطلاقاً من الذكريات البديلة، التاريخ هنا يمنحنا المقارنة التاريخية التي تكشف لنا المكتسبات العظيمة التي وصلنا إليها الآن، وأهمها الأمن والعلم وتوحيد المجتمع تحت قيادة واحدة، وجميعها قادتنا إلى التطور والتقدم في أغلب المجالات، ووضعها في مصاف العالم المتقدم. من خلال المقارنة التاريخية ما-قبل وما-بعد التأسيس تتكشف لنا هذه المكتسبات بشكل واضح، وهذه المكتسبات أيضا تحدد هويتنا. وبالتالي التاريخ يعلمنا كيف تشكل حاضرنا.

ومن أهم ما يتميّز به حاضرنا هي المواطنة، فالتاريخ هنا يمنحنا مفهوم ثقافة المواطنة الخاصة بنا. فمن خلال معرفة تاريخنا السعودي، فإننا نؤكد على حقيقة مشاركتنا جميعا في تأسيس هذا الوطن، فيكون الوطن هو المرجع الأساسي والوحيد لكل فرد ينتمي إلى هذا الوطن، وبالتالي تذوب الفوارق الأخرى، مثل القبيلة والطائفة والمنطقة، فكلنا أصبحنا مواطنين سعوديين، لنا وطن وقيادة واحدة لهذا الوطن. فالمواطنة في حقيقتها تساهم في تشكيل الهوية الخاصة بنا من خلال معرفة تاريخ مشاركة الجميع في عملية التأسيس (تأسيس هذا الوطن)، فالمواطنة مبنية على قيم مشتركة تحدد هوية بلد ما.

ـ ما هي الوسائل التعليمية التي تناسب تدريس التاريخ، وتساعد على توضيح جوانب التعلم المختلفة فيه؟

نوعية تعليم التاريخ مهم. هناك طرق عديدة لدراسة وتدريس التاريخ. يتذكر الكثير من الناس فصول المدرسة الثانوية المليئة بحفظ الأسماء والتواريخ وأماكن الأحداث التاريخية الكبرى. منذ عقود مضت، كان هذا النوع من التعلم عن ظهر قلب مهم. لكن الأمور اليوم تغيرت، خصوصا بعد اكتشاف الإنترنت. يستخدم، اليوم، نسبة عالية من سكان العالم الإنترنت، ويمكنهم العثور على تلك الحقائق عند الطلب. يمكنك أن تقرأ عن الأحداث التاريخية الكبرى على مئات المواقع الإلكترونية، ومن خلال مقاطع الفيديو على YouTube، ولكن من الصعب معرفة ما إذا كنت تحصل على القصة الكاملة أم لا، والحقيقية. تتعرض العديد من هذه المصادر التاريخية للفشل في كثير من الأحيان عندما يتعلق الأمر بتدريس التاريخ عالي الجودة. ولهذا السبب، من الأفضل أن تتعلم التاريخ في مؤسسة تعليمية مرموقة، تساعد الطالب على اكتشاف المواضيع التاريخية والمناهج المساعدة للبحث. في دراسة التاريخ تعني في المقام الأول دراسة التغيير البشري، في المؤرخ الأكاديمي خبير في فحص وتفسير الهويات البشرية وتحولات المجتمعات والحضارات مع مرور الوقت. المؤسسة المرموقة توفر للمؤرخين مجموعة من الأساليب والأدوات التحليلية للإجابة عن أسئلة حول الماضي لفهم التجربة الإنسانية وأفكار الناس ومؤسساتهم وممارستهم الثقافية. ولذا ينبغي على المؤرخ أن يستخدم مجموعة واسعة من المصادر والمراجع الموثوقة، والحقيقة أن المؤسسة المرموقة ينبغي أن تكون هي الضابط الأكاديمي التي تميز من الموثوق والمزيّف في المصادر. هذا كله لا يتوفر‘ بهذه الدقة، خارج المؤسسات المرموقة التي تهتم بدراسة التاريخ.

ـ ما معايير التحقق من صحة ودقة المعلومات التاريخية، مع توضيح كيف يتم معالجة النصوص التاريخية في ضوئها؟

قسّم المؤرخون مصادر المعلومات التاريخية إلى قسمين رئيسيين كأدلة للحدث التاريخي، وهي المصادر الأولية والمراجع الثانوية. والمصادر تتكون من الآثار والوثائق والرسائل الشخصية والمذكرات وشهود الأعيان، وتتميز المصادر بأنها مباشرة وقريبة من الحدث التاريخي. أما المراجع هي الدراسات التي اعتمدت على تلك المصادر، وتتميز المراجع بالتحليل والتفسير والتركيز بعمق على قضية محددة من التاريخ هما مكملان لبعضهما بالنسبة لدارس التاريخ. والحقيقة أن دراسة التاريخ تعتمد في المقام الأول على جمع الأدلة الموثوقة، وهناك عدة مهارات ينبغي أن تتوافر في المؤرخ، منها نقد المصادر التاريخية والتحقق من صحة المعلومات التاريخية وتقدير قيمتها. والحقيقة الأخرى هي أن طبيعة دراسة التاريخ تتطلب التحليل والتقييم والتفكير النقدي والاستنتاجات، وبما أن من يقوم بهذا هو المؤرخ، وهو بشر، فإن تفسير الماضي يخضع لتحيز الفرد في أحيان كثيرة، وينتج عن ذلك إمكانية وجود تفسيرات مختلفة لما حدث في الماضي، حتى عندما تستند الروايات المختلفة إلى نفس الأدلة. هنا تتبين العملية المعقدة لدراسة التاريخ. وهذا يوجب على المؤرخ أن يكون لديه «حس تاريخي»، ويتقمص شخصية المحقق الذي يحقق مع أطراف القضية، في المؤرخ يحقق مع مصادره ومراجعه التاريخية، حتى يكتشف صحة ودقة المعلومات التاريخية، من خلال أسئلة يلقيها على هذه المصادر والمراجع، على سبيل المثال، من كتب ومتى وأين كُتب هذا المصدر؟ علينا أن نتعرف على دوافع الكتابة والميول السياسية والأيديولوجية التي يؤمن بها الكاتب، وبيئته التي نشأ فيها، كل هذا، وربما أسئلة أخرى، تعطينا انطباعاً عن علاقة الكاتب بالحدث التاريخي الذي نقله لنا، وعلى ضوئه ربما نستطيع أن نحدد موثوقية المصدر. فمثلاً عندما يكتب مستشرق في القرن التاسع عشر عن الدولة السعودية الأولى أو الثانية، يجب على المؤرخ أن يأخذ في الاعتبار أن المعلومات متحيزة منظور خارجي. والحقيقة أن عملية التحقق من صحة المعلومات هي عملية ليست بالسهلة أبدا، تتطلب مهارات عدة تُدرس وتمارس في مؤسسات علمية مرموقة، هكذا فينبغي إدخال التكنولوجيا والرقمنة والذكاء الاصطناعي، والمحتوى التاريخي في الإعلام، والسياحة التاريخية في تدريس التاريخ. هذه المجالات سوف تطور، في اعتقادي، مهارات المؤرخ، وتنقله من التقليدية إلى تعتمد فقط على التلقين. المؤرخ ينبغي، بالإضافة إلى كونه باحثاً ومفكراً، أن يكون مهنياً فاعلاً وحاضراً في المجتمع من خلال هذه المجالات وغيرها، وهذا لن يتحقق من غير مد جسور الشركات مع الجهات المعنية، مثل وزارة الثقافة، وزارة السياحة، وزارة الإعلام، وزارة التعليم، دارة الملك عبدالعزيز، والهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض، هيئة تطوير بوابة الدرعية، هيئة تطوير العلا، الهيئة السعودية للبحر الأحمر، وغيرها كثير.

ـ كيف تساهم أقسام التاريخ في ظل توجهات رؤية 2030 في تلبية حاجات سوق العمل؟

اعتقد بعد الإيضاح أعلاه عن أهمية دراسة التاريخ ودور المؤرخ في التحقق من مصادر المعلومات التاريخية، يتضح لنا عن مدى حاجة سوق العمل لطلاب التاريخ. ويدعم ذلك توجه رؤية 2030 في الاهتمام بتاريخ هذا البلد العظيم. فالحاجة إلى المؤرخ ليست فقط في عرض التاريخ بشكل روائي وإخبار عن الماضي، وإنما في تقديم دراسات تاريخية تصحح ما هو مغلوط عن تاريخنا الوطني وتاريخنا العربي والإسلامي، فهناك الكثير من المصادر التاريخية التي تحتاج إلى دراسات وإظهارها إلى العالم، وهذا يتحقق بتضافر الجهود بين أقسام التاريخ والباحثين ومراكز الأبحاث والوثائق والمخطوطات. والمهمة الأخرى ولا تقل أهمية، هي دور المؤرخ في تقديم حلول لمشاكل الحاضر من خلال دراسة الجذور التاريخية لكل مشكلة حاضرة. دراسة التاريخ تساعدنا على فهم الأسئلة والمعضلات المعقدة والتعامل معها من خلال دراسة كيف شكل الماضي حاضرنا. دراسة التاريخ كذلك تسمح لنا برؤية أنماط قد لا تكون مرئية في الحاضر، وبالتالي توفر منظرها بالغ الأهمية لفهم وحل المشاكل الحالية والمستقبلية. على سبيل المثال، قد تكشف دراسة تاريخية عن مسألة التشجير بأحياء الرياض، وتبيّن لنا ما هي الأسباب الحقيقية خلف عدم انتشار التشجير في الأحياء، سيجد أن المشكلة تكمن في طبيعة تخطيط الأحياء، وشروط فسوح البناء المعماري، والتي ربما تأثرت، بطريقة ما، بخطاب الصحوة في الثمانينات والتسعينيات الميلادية.

 

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA