العلم...أنبل مشروع أنجزه الإنسان

محمد حسن البحيري

باحث دكتوراة في المناهج وطرق التدريس

عُّرِف العلم بكثير من التعريفات بحثاً عن تعريف جامع مانع. فعرفه البعض بالتكنولوجيا، والبعض بنتائج تجارب العلوم التطبيقية، والبعض يعده مرادفاً للفلسفة.

يُعرف العلم في اللغة العربية بمعنيين، الأول «المعرفة» لقولة تعالى (وقل ربي زدني علماً)، وهذا المعنى واسع لشموله جميع المعارف، والآخر مرادف للعلم التجريبي ((Science وهو ضيق لحصره على علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات. ويظهر اختلاف مفهوم العلم في اللغة العربية عنه في الإنجليزية، ولو حُصِر العلم في العلم التجريبي فماذا عن التاريخ والجغرافيا، والفقه، واللغة.

يرى المهتمون بأن العلم هو كل بحث عن الحقيقة منزهاً عن الأهواء. وهناك من يراه مجموعة من الحقائق التي يأتي بها بحث موضوعي مجرد. ويُعرفه البعض بالمعارف الإنسانية التي تساعد الإنسان على زيادة رفاهيته، ومساعدته في معركة البقاء. ومن التعاريف أنه الخبرات الإنسانية التي تجعل الإنسان قادراً على التنبؤ. ويستبدل البعض كلمة «التنبؤ» «بالفهم» فيقولون العلم هو فهم ظواهر هذا الكون وأسبابها وآثارها، بمعنى فهم النظام الذي يُنظم الوجود عن طريق الحواس والعقل فنتأثر ونؤثر به، وهناك من يعرفه بأنه مادة وطريقة للتفكير والبحث وحل المشكلات.

ولعل أفضل التعريفات للعلم اعتباره نظام متطور من معرفة الإنسان عن الطبيعة والمجتمع والفلك، وله حقيقة موضوعية نسبية، أو أي مجال واضح المعالم أو منهج من مناهج البحوث العلمية، أو ما يتم التوصل إليه من حقائق وتعميمات تفسر ظاهرة، وتتحكم وتتنبأ بها.

ويتكون العلم من بناء معرفي مكون من خمسة مستويات بدايةً من الحقائق، ثم تكوين المفاهيم، ثم ربط هذه الحقائق والمفاهيم معاً لبناء مبادئ يتم التوصل بها إلى قوانين تساعد في بناء النظريات باستخدام التفكير المنطقي وأدواته الاستقراء والاستنباط في جميع هذه المستويات. ففي الاستقراء يتم تتبع الجزئيات للوصول إلى قاعدة عامة مثل: كل أرنب لاحظناه له رئة، إذاً؛ كل أرنب له رئة. وفي الاستنباط يتم الانتقال بالتفكير من القاعدة إلى الجزئيات مثل: كل الثدييات لها رئة، وكل أرنب من الثدييات، إذن؛ كل أرنب له رئة.

       فنبدأ بالحقائق العلمية التي تُعتبر أساس بنية العلم. فهي الوحدات الصغرى للعلم، وهي معرفة نوعية مبسطة تصف حدث أو ظاهرة، ولا يقبل النقاش بصحتها في وقتها مثل اسمي محمد وطولي 170 سم، وهذه طاولة وهذا قلم. وما نقصده هو المعرفة الإنسانية، وليس إنكار وجود الله كما ذكر بعض الفلاسفة. وتنقسم الحقائق إلى خمس أنواع: المطلقة المجزوم بصحتها ووجودها، ولا يتطلب التصديق بها إدراكاً حسياً او نقاشاً كوجود الله والحياة والموت، ثم النسبية المثبتة علمياً التي قد تتغير بتغير الزمان والمكان كتغير نتائج البحوث وتطور الاستكشافات العلمية من زمن إلى آخر. وثالثها البيانات الرقمية التي تم الحصول عليها من التجارب والمعامل، ومنها سرعة الصوت والضوء والوزن والطول ودرجة الحرارة، وقياسات السكر، والضغط، والكولسترول. وتعتبر المصطلحات العلمية كالرموز والاختصارات والمصطلحات ووحدات القياس أحد حقائق العلم. فالماء يشار اليه بالرمز H2O، ويُختصر السنتيمتر بـ «سم»، ويرمز للجراحة بمصطلح «Surgery»، والتعريب يساويه «»Arabization. وتعتبر الإجراءات العلمية المنظمة لاي تجربة أحد خصائص وحقائق العلم من حيث وضع المشكلة ثم الفروض وتجربتها وتحليلها وصولاً للنتائج.ن المصطلحات العلمية   

      وتأتي المفاهيم كمستوى ثاني في بنية العلم، وهي التصور العقلي الذي يعمل على تطوير الحقائق وتجريدها من خصائصها المشتركة ووصفها بمفردة واحدة. وتنقسم إلى محسوسة مثل الشجر والبيت، ومجردة لا يمكن إدراكها مثل الحرية، والعقل، والأخلاق. ومن الأمثلة لتكوين مفهوم علمي: شكل هندسي له أربعة أضلاع، وزواياه متساوية. جُمعت هذه الخصائص في مفهوم واحد هو «المربع».

     والمبادئ أشمل من المفاهيم. والمبدأ العلمي هو العلاقة العلمية بين مفهومين أو أكثر، ويعبر عنها بصورة كيفية أو كمية، فإذا صيغت بطريقة كمية تسمى قاعدة، ثم تعمم مثل المبادئ والقوانين الموجودة في كتب العلوم والرياضيات. ومن أمثلة الوصول إلى مبدأ علمي وتعميمه مفهوم أن الحديد والذهب والنحاس من المعادن، والمعادن تتمدد بالحرارة.

     وتعد القوانين العلمية غاية التجربة. والقانون العلمي عبارة كمية تصف العلاقة بين مفهومين او متغيرين، ويصاغ بصيغة رياضية قصيرة باستخدام معادلة رياضية. وتسهم القوانين في وصف الظاهرة كمياً وكيفياً وتتنبأ بها وهي أكثر ثباتاً لأنها تمر بعدد من الدراسات البحثية والاختبارات الطويلة قبل اعتمادها، ومن امثلتها: قوانين نيوتن، وانكسار الضوء، والكتلة. ويختلف القانون العلمي عن القاعدة. فالقاعدة لها القدرة على إيضاح العلاقة بين المتغيرات كيفياً كالعلاقة بين الجسم المغمور والماء المزاح كما في تجربة أرخميدس، بينما القانون يصف الظاهرة بصيغ كمية كالمعادلات وهي أكثر ثباتاً.

     ويعد بناء النظريات الهدف النهائي للعلم، لأنها تساعد على وصفه وتطويره، وتحتاج إلى التجربة لإثباتها، وهي أقل بنى العلم صدقاً وثباتاً رغم شمولها. ومن أمثلتها نظريات التعلم والنظرية النسبية.

ويحق لنا القول في النهاية بأن العلم هو أنبل مشروع أنجزه الإنسان.

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA