معرفة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله بأرض المملكة العربية السعودية وأحيائها الفطرية

إعداد

أ.د. عبدالله بن ناصر الوليعي

أستاذ الجغرافيا الطبيعية في جامعة الملك سعود

كان الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله شخصية مدهشة في جيع المجالات الإدارية والقيادية والعسكرية والدبلوماسية والاجتماعية، وقد كتب الرحالون والدبلوماسيون الذين قابلوا الملك عبدالعزيز كتابات تنم عن إعجابهم الشديد به، بل إن أحدهم وهو فان دير ميولن في كتابه (آبار ابن سعود The wells of Ibn Saud) قال: " ما أدهشني عندما قابلت ابن سعود وسعوديين من أتباعه في جدة هو القوة الروحية الواضحة عندهم، فلم تكن الرغبة في السلطة فقط، ولكن الطاعة للأمر الإلهي هي القوة الدافعة لهم. من أين جاءهم هذا؟ ومتى بدأ؟ هل كان ابن سعود أستاذ علم نفس في توقع ما يمكن فعله مع البدو غير المنضبطين عند إضافة المعتقد الديني إلى ميلهم الطبيعي إلى الغزو؟ هل كان متمسكاً بعقيدة التوحيد لمجرد أنه أثبت أن إيمانه هو السبيل الوحيد للالتحام مع قوة قتالية دائمًا غير منضبطة من البدو، الذين عادة ما يحافظون على انضباطهم من النجاح السريع فقط؟ هل كان باختصار مؤمناً بالحسابات المادية وليس بقناعة دينية؟ لم أصدق ذلك. ومع ذلك، أعتقد أن كلا العاملين كانا موجودين وكان كلاهما قويًّا، فقد أتيحت لي كثير من الفرص لمراقبتها في سجالات متبادلة. لقد أثارت قناعاته القوية بوصفه مؤمنًا إعجابي أكثر من مؤهلاته حاكمًا أو رجلًا يحب السلطة، فمن النادر أن تجد في مثل هذا الرجل أساسًا راسخًا للإيمان كمبدأ يقوده في الحياة، ومن النادر أيضًا أن يظهرها للعالم الخارجي ويعترف بها علانية بأنها هي الخلفية لكل نشاطه السياسي. لم يكن إيمان السعوديين في تلك الأيام سطحيًّا، لقد تغلغل في أعماق قلوبهم، وكان هذا الإيمان دائمًا هو الموضوع الافتتاحي والختامي لمحادثاتهم مع الأجانب أو مع المسلمين من غير السعوديين".

وفي كتاب (غربي شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر Western Arabia and The Red Sea) من إعداد قسم الاستخبارات البحرية (البريطانية) الذي عالجوا فيه الأمن الشامل الذي حلّ في الجزيرة العربية بعد تأسيس المملكة العربية السعودية، وكيف نسبوا ذلك كله للشخصية العظيمة للمؤسس جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي يدل على وعي من البريطانيين في مسير التحديث الذي أدى إلى تحول الدولة، وإجراءاتها الأمنية، والإدارية، والعسكرية. قالوا: "ويمكن للمدير العام للأمن أن يشير بكل فخر إلى السجل الممتاز لقواته في تقديم المجرمين إلى العدالة وفي تثبيط الجريمة. ومع ذلك، سيكون مدير التحقيق الجنائي أول من يعترف بأن التأثير الأخلاقي للملك عبدالعزيز كان دائماً هو العامل الرئيسي في النجاح الذي يتحقق، إذ لا يتعلق الأمر بقسوة الشرع تجاه الجريمة، ولكن في التطبيق الصحيح لها في الممارسة العملية؛ وهو الذي يفسر المعيار الاستثنائي للقانون والنظام في المملكة العربية السعودية. ونحن نجد أن الدول الإسلامية الأخرى لديها فوائد الشريعة أو كان لديها ذلك، ولكن دون تحقيق نتائج مماثلة".

وفي هذه المقالة حديث عن جانب من الجوانب المغيبة عادة في الحديث عن شخصية المؤسس، وهو معرفته الدقيقة بطبيعة الصحراء وما فيها من معالم طبيعية أو أمكنة أو نبات أو حيوان، فقد كان رحمه الله من أعرف الناس بأرض المملكة العربية السعودية وما فيها من نبات أو حيوان، ومن إعجاب الرحالين بالملك عبدالعزيز سموا طائر الحمَّرة باسمه Ammomanes deserti azizi، كما سمي الظبي العفري بالسعودي Gazella dorcas saudiya، يقول جون فلبي أن ظباء سهل ركبة "ثبت أنها نوع ثانوي جديد من الظباء، وأطلق عليها خبراء المتحف البريطاني اسم Gazella dorcas saudia تشريفاً للملك عبدالعزيز، وكنت قد بعثت إلى المتحف عينات كثيرة منها".

يذكر تشيزمان Cheesman في كتابه (العربية المجهولة In Unknown Arabia) أنه قابل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - في 20 يناير 1924م في الهفوف لكي يريه العينات التي جمعها؛ فيقول: "دخل عليّ محمد حسن فجأة ليعلن أن السلطان قادم ليتفحص مجموعتي من العينات. ولما لم يكن هناك سوى 40 طيراً صغيراً كل طير منها ملفوف لوحده في لفافة من القطن الصوفي، علاوة على البومتين والثدييات، كما كان عليّ أن أرتدي ملابسي، فما كان على السلطان سوى الانتظار لبعض الوقت، جاءني صف تلو الآخر من الخدم والأعوان يطلبون مني الاستعجال، وبدا محمد حسن أكثر قلقاً؛ لأنني لم أكن أسمح لأي أحد بلمس القرب، وأخيراً، وبعد مضي ربع ساعة انطلقنا حاملين خمس صوان، كل صينية يحملها موظف واحد، في موكب مليح. وقد أسرعت لأعتذر وأشرح أسباب تأخري عن الموعد لكن السلطان تجاوز ذلك بكياسة، بل قال: إنه لم يكن لديه شيء ليفعله، على الرغم من أننا مررنا بطابور طويل من الناس ينتظرون لقاءه. وقد أظهر السلطان معرفة أكثر بالأنواع المختلفة من أي متعلم عربي قابلته حتى الآن. ويقتصر التصنيف المحلي المعتاد للحياة الحيوانية هنا على قسمين هما: المأكول وغير المأكول (أي ما يحل أكله حسب معتقد الشريعة الإسلامية، وما يحرم أكله للسبب نفسه). وحتى الطلاب المتقدمين أكثر في معرفتهم- وبخاصة الصيادين منهم- لا يستطيعون أن يميزوا سوى الحباري والقطا والباز، وما عدا ذلك فقليل جداً. وكان أكثر شيء اهتم به السلطان هو البومة النسارية Bubo bubo desertorum، ولم يكن مقتنعاً بالاسم العربي "بومة" لأنه ينطبق -كما قال- على كل أنواع البوم بما في ذلك بومة المخزن التي سماها أم الصخر، لكن مع كل محاولاته لم يستطع تذكر الاسم الصحيح للبومة النسارية. لذا لجأ إلى المجتمعين الذين بدأوا يقدحون زناد أفكارهم بشكل لم يحدث مطلقاً من قبل. لا أحد من الحاضرين كان يعرف أو دفعه فضوله على الإطلاق أن يعرف اسم البومة، ولكن كل واحد منهم كان مستعداً في تلك اللحظة أن يدفع أي شيء ليعرف الإجابة على السؤال. وبعد فترة من الصمت المطبق خطر الاسم المفقود على بال السلطان الذي قال: فيوم. فردد الجميع فيوم، شاعرين أنهم أزاحوا عن صدورهم حملاً ثقيلاً. "فيوم" هذا هو الاسم بالطبع.

وقد أخبرته عندها عن مدى سعادتي أن وجدت قنبرة الصحراء Ammomanes التي سبق أن حصلت على عينة واحدة منها عندما كنت في الطريق إلى سلوى منذ ثلاث سنوات، بينما العينات الأخرى التي حصلنا عليها معروضة الآن أمامه. "إنها الحُمَّرة إحدى أكثر طيورنا شيوعاً." قالها السلطان معلقاً عندما أوضحت بأن هذا قد يكون طيراً جديداً بالنسبة لعلماء الطيور. وقد أطلق عليه منذ ذلك الحين Ammomanes deserti azizi نسبة لاسم السلطان. وقد ظهر البشر على وجه السلطان عندما رأى قنبرة الصحراء الكبيرة أو القنبرة ثنائية التخطيط Alaemon وقال: إنها أم سالم Alaemon alaudips cinerea ..أليست في إنجلترا؟! وقد أعجب السلطان بالخفافيش والجرذان لكنه لم يلمسها. وبدا محيراً له كيف أن طيوراً صغيرة جداً مثل الصعو المغرد يمكن صيده بقليل من الضرر، حتى لو كان ذلك ببندقية جمع العينات. ثم دخل السلطان في حالة من الفرح والنشوة بسبب اللون الأزرق الفاتح لطائر الرفراف وقال: إنه لم يكن يعلم أن طائراً جميلاً كهذا يعيش في بلاده إذ لم يره من قبل".

وأما معرفته رحمه الله بأرض المملكة العربية السعودية جبالها ووهادها فيوضحه ما ذكره الشيخ عبدالله بن خميس في معجم اليمامة، إذ روى أحد مرافقي الملك عبدالعزيز قائلاً: كنت مع ثلاثة من أبناء الملك عبد العزيز رحمه الله خرجوا من مخيمه في خريم للقنص، ولما جاؤا عند الدويدات بالدهناء تعطلت سيارتهم، فبعثوه راجلاً من أجل إسعافهم، وكانوا آنذاك صغاراً، قال: فوصلت المخيم بعد لأي وتعب ونصب، فوجدت الملك عبد العزيز على أحر من الجمر فاستدعاني وأخذ خبري، وقال هل هم في دويدات السرو وإلا في دويدات جهام (عرقان من عروق الدهناء)، قال: فبهت لأني لا أعرف هذه من تلك، فنهرني فتلعثمت وقلت: فيهن كلهن، فضحك وانصرف عني وأمر بإسعافهم في الحال. وعلق الشيح عبدالله بن خميس على هذه القصة قائلاً: "رحمك الله يا عبد العزيز فقد قتلت أرض الجزيرة معرفة واستيعاباً، تجوبها غازياً أو مسافراً أو متفقداً حتى عرفتك وعرفتها فلم يخف عليك منها شبر".

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA