يوم المعلم هو مناسبة للتعبير عن الامتنان والتقدير لكل المعلمين الذين يلعبون دورًا محوريًا في بناء المجتمعات وتشكيل مستقبل الأجيال. إنهم يحملون على عاتقهم مسؤولية تعليم وتوجيه الطلاب، وغرس القيم والمعرفة في نفوسهم. إن يوم المعلم ما هو إلا فرصة للشكر والعرفان على تفانيهم وجهودهم المستمرة، وللتعبير عن احترامنا لهم ولدورهم الأساسي في تطوير المجتمعات وتحقيق التقدم.
المعلم هو الركيزة الأساسية في بناء الأجيال، وهو منارة العلم والتوجيه، ومصدر الإلهام الذي يغرس القيم والمعارف في نفوس الطلاب بجهوده القيمة. إن المعلم هو الشخص الأقدر على تشكيل العقول وقيادتها نحو مستقبل مشرق؛ ليصبحوا أفرادًا صالحين يسهمون في بناء مجتمعهم. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فقد كانت مهمته الأولى تعليم الأمة ودلالتها على الخير قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الجمعة: 2], ومن يقم بهذه المهمة من بعدهم إنما يتشرف بتَقمُص رداء الرسل، وخلافتهم في أجلّ مهنة وأشرفها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير". ولا يكون ذلك إلا باليسر والسماحة، وليس بالعسف والقهر والإذلال، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا وميسرًا" رواه مسلم.
ولا شك أن دور المعلم في بناء الأجيال يعد أساسيًا، حيث إنه ليس مجرد ناقلً للمعرفة والمعلومات، بل هو صانعً للعقول وموجهٌ للأخلاق والقيم. ولا سيما أن المعلم يسهم في تشكيل شخصية الطالب، وتوجيهه نحو التفكير النقدي والإبداعي، ويغرس فيه حب التعلم والبحث. كما أن المعلم يساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم الحياتية والاجتماعية، ويعزز لديهم الثقة بالنفس والانضباط، مما يؤهلهم ليكونوا أفرادًا فاعلين وقادرين على مواجهة تحديات المستقبل. ومن خلال تقديم الدعم النفسي والتربوي، يساعد المعلم في بناء جيل واعٍ، صالحٌ من الجانب النفسي والاجتماعي، قادر على تحمل المسؤولية والمشاركة في تطوير المجتمع.
ومن هذا المنطلق، فإن للمعلم دوراً بارزاً في تحقيق رؤية 2030 والتي تسعى إلى تحقيق مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح. ولا يتحقق ذلك إلا بوجود معلم صبور محب متجدد شغوف بتنشئة المواطن الصالح الخادم لدينه ووطنه، ليتمكن من ترك بصمة دائمة في حياة الطلاب، ليس فقط على مستوى التحصيل العلمي، بل أيضًا على مستوى بناء القيم والمبادئ التي تساهم في خلق جيل مبدع ومتوازن.
واحقاقاً للحق، فقد ظهر دور المعلم وبرزت أهميته واتضح أنه أساس العملية التعليمية في جائحة كورونا السابقة 2020م. حيث واجه التعليم تحديات غير مسبوقة تطلبت تكيفًا سريعًا مع وسائل تعليم جديدة. كالانتقال إلى التعليم عن بُعد مما استدعى المعلمين التكيف السريع مع منصات التعلم الإلكتروني واستخدام التكنولوجيا لتقديم الدروس، كما ساهموا في تطوير طرق مبتكرة لضمان استمرار العملية التعليمية رغم القيود الصحية، وكانوا داعمين نفسيين لأبنائهم الطلاب. كما عمل المعلمون على تجاوز الفجوة الرقمية، حيث قدموا مساعدات للطلاب الذين يفتقرون إلى الوسائل التقنية أو الوصول إلى الإنترنت، عبر تقديم مواد مطبوعة أو التواصل عبر قنوات متعددة، كم كان لهم بصمة واضحة في التعاون مع الأسر خلال الجائحة، حيث أن تواصل المعلمون مع أولياء الأمور بانتظام يدعم تعلم الطلاب ومتابعة تقدمهم عن قرب. ومن خلال هذه الأدوار، أثبت المعلمون قدرتهم على التكيف والتحدي، وساهموا في استمرارية التعليم رغم الصعوبات الكبيرة.
إن الوفاء لدور المعلم هو الاعتراف بأهمية الرسالة العظيمة التي يحملها في بناء الأجيال وتشكيل مستقبل الأمة. والوفاء للمعلم لا يقتصر على كلمات الشكر والثناء، بل يظهر في احترام جهودهم وتقدير تضحياتهم وعطاءاتهم، والتزامهم بتحقيق النجاح للطلاب. إن الواجب على كل فرد استفاد من علمهم أن يرد لهم الجميل بالاحترام والاعتراف بأدوارهم العظيمة في حياتنا، والاحتفال بجميع المعلمين في يوم المعلم وذكر مواقفهم ونشر أفكارهم. وذلك هو أقل ما يمكن تقديمه مقابل ما يبذله المعلم من جهد وتفانٍ. ومن هنا أشكر كل من علمني حرفاً وساعدني على اكمال مسيرتي العلمية التعليمية، ولهم مني صادق الدعاء بأن يكتب لهم الأجر والثواب على ما قدموا وما سيقدموا.
العنود عبد العزيز العسكر
عضو هيئة تدريس في جامعة الملك سعود
إضافة تعليق جديد