كانت الدكتورة هناء، عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود بالرياض، قد قضت ثلاثين عامًا من حياتها في التعليم والإلهام. ومع القرار السامي بالسماح للنساء بقيادة السيارات في ٢٠١٨م، شعرت أخيرًا بالاستقلالية التي كانت تنتظرها طويلًا هي وبنات جنسها. لكن، كما يحدث دائمًا، لم تكن الأمور سهلة كما توقعت.
في البداية، كانت هناء متحمسة جدًا لقيادة سيارتها الجديدة، ولكنها سرعان ما واجهت مشكلة كبيرة: أماكن وقوف السيارات. كانت المواقف المظللة تحتلها سيارات السائقين، مما جعلها تضطر إلى الوقوف بعيدًا والاتصال بالأمن لإخراجهم. "يا ليتهم يعرفون أنني أستاذة جامعية ولدي ثلاثون عامًا من الخدمة في هذه الجامعة!" كانت تردد في نفسها.
ومنذ ذلك الحين، تكررت القرارات الإدارية المفاجئة التي جعلت الأمور أكثر تعقيدًا. فمرة وبشكلٍ مفاجئ تقرر إدارة الجامعة إغلاق المواقف المظللة لحجزها لكبار الإدارييات، ومرة تقفل مجموعة من المواقف بحاجز بدون سبب واضح، وغيرها من القرارات المفاجئة وغير المنطقية. أصبحت كل مواقف السيارات في الجامعة حربًا حقيقية ولا تنتهي القرارات الإدارية المفاجئة التي يوما بعد يوم تزيد من تفاقم الحرب. كانت هناء تضطر كل يوم للبحث عن موقف، وعندما تجد واحدًا، يكون في مكان بعيد وغير مظلل.
وفي كل يوم دراسي، بعد معركة طويلة على موقف، تجد نفسها مضطرة لركن سيارتها بعيدًا جدًا عن مبنى كليتها. ومع ارتفاع درجات الحرارة، تبدأ بالمشي تحت أشعة الشمس الحارقة، تفكر في كيفية العودة إلى سيارتها بعد انتهاء يومها الدراسي. "هل يعقل أنني أعود إلى المنزل وأنا أشعر وكأنني قد شاركت في سباق ماراثوني؟" تساءلت.
ومع كل خطوة، كانت تتخيل أنها في مغامرة، تتجاوز العقبات، وتخوض معركة يومية مع المواقف بعد الحرب الشعواء في شوارع الرياض. وعندما وصلت أخيرًا إلى مكتبها، كانت منهكة تمامًا. ومع ذلك، كانت تبتسم بتعجب وشفقة على نفسها، وتفكر كم على الأستاذة الجامعية في جامعة عريقة مثل جامعة الملك سعود أن تخوض من تحديات يومية في سبيل تعليم الطلاب وإلهامهم، رغم أن هذه التحديات يمكن حلها بمنتهى البساطة من جذورها وستسهم في رضا عضوة هيئة التدريس وتسهيل يومها.
وفي نهاية اليوم، وبينما كانت تستعد للعودة إلى سيارتها، ولتهون على نفسها المعاناة اليومية تملكتها روح الفكاهة وقالت في نفسها. "إذا كان هناك جائزة لأفضل محاربة مواقف سيارات، فأنا بالتأكيد سأفوز بها!”، وهي تضحك على ما مر بها. وشر البلية ما يضحك.
وعندما ركبت أخيرًا في سيارتها، وهي تنتظر جهاز التكييف يؤدي مهمته لتبريد السيارة المشتعلة بسبب الشمس الحارقة، إذا بخيالها يسرح بأفكار لحل هذه المشكلة. ماذا لو كان هناك نظام حجز اليكتروني للمواقف؟ تخيلت هناء تطبيقًا على الهواتف الذكية يمكن العضوات من الحجز المسبق قبل وصولهن لمواقفهن "المظللة" القريبة من المباني، وبذلك لن تتأخر العضوة عن محاضرتها وستصل بسهولةٍ وراحة.
وبدأت أفكار أخرى تهل على مخيلتها: “ماذا لو كان لدينا مواقف "مظللة" وقريبة من البوابات مخصصة لعضوات هيئة التدريس؟ كل موقف محجوز باسم العضوة تستخدمه معززة مكرمة.
واستطردت: "وماذا لو استثمرت الجامعة بحافلات صغيرة أو عربات مخصصة للمنسوبات تنقلهن بشكل ترددي من مواقف بعيدة إلى مباني الجامعة بكل سلاسة." وخيالها الواسع قادها لفكرة أخرى: "ماذا لو استثمرت الجامعة في الأراضي الشاسعة القريبة من مباني الكليات لبناء مواقف بطوابق متعددة وجسر يربط هذه المواقف بالمباني".
بينما كانت تفكر في كل هذه الحلول في خيالها وبرودة جهاز التكييف تملأ السيارة، شعرت بالتفاؤل وعزمت على جمع تلك الأفكار وتقديمها لإدارة الجامعة وأصبحت أكثر حماسًا لبدء يومها التالي وهي تتخيل كيف ستسهم هذه الحلول البسيطة في تحسين تجربة القيادة لجميع العضوات وهو حقهن الذي منحته لهن حكومتنا الرشيدة.
إضافة تعليق جديد