قدم المؤلف تيم مارشال في هذا الكتاب رؤيته عن أثر المناخ والتضاريس الطبيعية والموقع الجغرافي في فهم الاستراتيجيات السياسية لدولة أو منطقة بعينها، بما تشمله من تأثير فكري وثقافي في مناطق حساسة ومعقدة من هذا العالم، شملت: روسيا والصين والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا واليابان وكوريا، وجرينلاند والقطب الشمالي.
نظرة تحليلية
قدم الكتاب محاولة لفهم أحداث العالم بناء على العوامل الجغرافية، من جبال وأنهار وبحار، باعتبار أن هذه الخصائص تمثل نقاط ضعف أو قوة في تلك البلدان، وتحدد قراراتها المصيرية؛ وفي سياق هذا الطرح قدم المؤلف نظرة تحليلية شملت بعض الأسئلة مثل: ماذا يعني أن يكون لروسيا أسطول بحري، في حين أن موانئها متجمدة ستة أشهر في العام؟ ما هو مستقبل الصين المقيدة جغرافياً؟ وما أسباب عدم توحُّد أوروبا بشكل كامل؟!
الوضع السوري
في عام 2012، وبينما سوريا منحدرة نحو مستنقع الحرب الأهلية، وقف تيم مارشال على قمة تلٍّ، يشاهد عن بُعد قرية يتصاعد منها الدخان، ولم يفكر حينها أن هذا الحادث ذا مغزى كبير، حتى أوضح له أصدقاؤه السوريون لماذا تحترق تلك القرية على وجه الخصوص؟ لقد كان الهجوم آتيًا من منطقة تبعد ميلاً من هذه القرية، إذا تمكَّن المهاجمون من السيطرة على الوادي، فإنهم يستطيعون أن يربطوا الوادي بمنطقة أخرى تكون بدورها ممرًّا إلى الطريق السريع، وهذا سيكون في حدٍّ ذاته كسبًا استراتيجيا، ولكن لدى المهاجمين خطة أبعد من ذلك بكثير؛ إذا فشلت سوريا في أن تتوحَّد من جديد؛ فيمكن أن تكون هذه المنطقة نواة لدويلة في المستقبل!
تشابه جغرافي
من وجهة نظر مارشال، الأمر الذي حدث في سوريا يشبه إلى حد كبير ما حدث في الحروب اليوغوسلافية، عندما خطط الزعماء المحليون لإمبراطوراتهم، أن تقوم على عمليات التطهير العرقي والمذابح الجماعية. كتب مارشال: «في السابق، كنت أشاهد احتراق القرية فقط، أما الآن فيمكنني أن أرى أهميته الاستراتيجية، وأدرك كيف تُصاغ الحقائق السياسية من أسباب مادية محسوسة».
منهج بسيط وفعال
مؤلف الكتاب تيم مارشال، محرر سياسي سابق في سكاي نيوز، ومراسل بي بي سي، غطى مناطق نزاع في 30 بلدًا، شملت أفغانستان ويوغوسلافيا السابقة والعراق ومنطقة الشرق الأوسط. يقوم هذا الكتاب على منهج بسيط ولكنه فعَّال؛ فمن خلال عشرة فصول، وعشْر خرائط تغطي مناطق القوى العالمية المؤثرة، يشرح ويعلل كيف شكَّلت الجغرافيا ليس فقط التاريخ في هذه المنطقة، بل مصيرها أيضًا.
فوضى أفريقيا
يطرح المؤلف أسئلة صعبة ويقدم إجابات قاطعة، مثل: لماذا تعج أفريقيا وهي مهد الحضارة الإنسانية بمثل هذه الفوضى؟ “هناك الكثير من المناطق في العالم لم تزدهر، ولكن القليل منها مثل أفريقيا! على الرغم من ميزة نشوء أول إنسان عاقل بها قبل حوالي 200.000 سنة.” ويعزو الأمر إلى سببيْن، هما: عدم وجود موانئ طبيعية، وانتشار الشلالات؛ ففي أفريقيا العديد من الأنهار الكبيرة، ولكنها، كما يقول: “رديئة في نقل أيِّ شيء” بسبب وجود الشلالات المتتابعة.
ازدهار أوروبا
في المقابل، نجد أن نهر الراين، ولاسيما عند اتصاله بنهر الدانوب، الذي يمر عبر العديد من البلدان الأوربية، ساعد على مرِّ القرون في ازدهار أوروبا وتوحُّدها، في حين أن الأنهار الكبرى في أفريقيا، النيل، والنيجر والكونغو ونهر زمبيزي، غير متصلة. كما أنَّ هناك مناطق يابسة شاسعة في أفريقيا شُكِّلت من خلال الصحراء الكبرى والمحيط الهندي والمحيط الأطلسي؛ مما يزيد من عزلة المناطق المأهولة بالسكان عن تأثير التكنولوجيا القادمة من الغرب، والتيارات الفكرية، ومما يزيد الطين بلة في هذه العزلة: تركة الاستعمار الكارثية عبر القرون.
نظرة مستقبلية
قدم الكتاب أيضاً نظرة مستقبلية حول القطب الشمالي، الذي أصبح حاليًا محطَّ أنظار العديد من الدول؛ طمعًا فيما يتمتع به من موارد ضخمة؛ تشمل النفط والغاز والذهب والزنك والنيكل والحديد. يقول المؤلف: «عندما يأتي رجال الثلج إلى هنا، فسوف يأتون بقوة، وسيتحدثون الروسية». في حين أن دولاً أخرى لا تزال متأخرة، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تبدو كأنها مهتمة بالأمر.
إضافة تعليق جديد