تنسب العديد من نظريات التحليل النفسي للعالم «سيغموند فرويد» وتعد نظرية «الشعور اللاوعي» أو «العقل الباطن» أحد أهم النظريات التي تحدث عنها، ويرى فرويد من خلالها أن الإنسان يولد بجميع الأجهزة العضوية كالجهاز الهضمي والجهاز العصبي والتنفسي وغيرها من الأجهزة وهي أجهزة ملحوظة ومحسوسة، ولكن ما يجهله الأغلب هو أن الإنسان لديه ثلاثة أجهزة «نفسية» غير محسوسة أو مرئية.
وهذه الأجهزة لا تأتي دفعة واحدة مع ولادة الإنسان وإنما يولد معه جهاز نفسي واحد، بعد ذلك يأتي الجهاز الثاني ثم الثالث على حده، وأول جهاز يولد هو الـ «هو» ويعتمد هذا الجهاز على مبدأ اللذة وتجنب الألم، ونلاحظ أن الرضيع عندما يشعر بالجوع يبدأ بالبكاء حتى يشعر بالثدي في فمه فهو لا يهتم إلا بتجنب الألم والشعور باللذة ووسيلته الوحيدة للتعبير عن احتياجاته هي الصراخ وهذا باختصار عمل الجهاز الأول.
مع نمو الطفل يولد جهاز آخر وهو ما أطلق عليه اسم «الأنا» وهو يعتمد على مبدأ الواقع، وفيه يبدأ الطفل بتعلم نوع من الأدب، فمثلاً إذا شعر بالجوع أخبر والدته وتجيبه قائلة: انتظر قليلاً حتى أنهي إعداد الطعام، وحينها نلاحظ أن الطفل لا يبدأ بالصراخ كما كان رضيعاً ويبدأ بالانتظار حتى تنتهي أمه من إعداد الطعام.
بالنسبة للجهاز الثالث بعد أن يكبر الطفل قليلاً ويدخل المرحلة الابتدائية أو قبلها بقليل يولد لديه جهز ثالث ويسمى بـ «الأنا العليا»، حيث يعتمد على الأعراف والعادات والتقاليد للمجتمع المكتسبة من التنشئة الاجتماعية، وهو في صراع دائم مع الـ «هو»، حيث تعمل «الأنا العليا» عمل ما نسميه بالضمير وعمل الـ«هو» أقرب إلى ما نسميه بالوساوس الشيطانية.
وللتبسيط أكثر نأخذ مثالاً لشخص شعر برغبة ارتكاب عمل محظور، فنجد أن الـ«هو» يحثه على تنفيذ هذه الرغبة ولو كان ذلك بطريقة غير مشروعة ترفضها أحكام وعادات المجتمع، بينما «الأنا العليا» تحاول منعه وتخويفه عن طريق الأحكام الدينية أو العادات والتقاليد في المجتمع.
من هنا يبدأ الصراع بين «الـ هو» و«الأنا العليا» من ثم يتدخل الجهاز الثاني في محاولات لتخفيف حدة الصراع، فكلما زادت حدة الصراع كلما زاد قلق وتوتر الشخص، فيحاول جهاز «الأنا» حمايته من هذا الصراع باستخدام الحيل الدفاعية أو بمعنى أصح ميكانيزمات الدفاع، وفيه تتم محاولات لإلقاء فكرة الـ«هو» في العقل الباطن وذلك عن طريق أن يمارس الرياضة مثلاً أو يلعب لعبة فديو أو يذهب لمقابلة أصدقائه أو غيرها من الأنشطة.
وأخيراً وضّح فرويد أن الفكرة مهما كانت إذا دخلت العقل الباطن فلا بد لها أن تخرج سواء بعثرات اللسان أو الأحلام، فمن منظور فرويد أن ما يخرج من ألسنتنا من زلات أو ما نراه في الأحلام ليس إلا أفكاراً خارجة من العقل الباطن أو الشعور اللاواعي.
مثال آخر على ذلك عندما يخطئ الرجل في اسم زوجته، ولدى سؤاله عن ذلك يجيب قائلاً إنه كان يقرأ مقالاً بالاسم الذي زل لسانه به أو غير ذلك من الإجابات للتخلص من هذا الموقف، وهو من منظور فرويد كاذب ويتمنى في قرارة نفسه أن تكون تلك الفتاة التي زل باسمها مكان زوجته وأن تكون هي شريكة حياته بدلاً منها.
محمد حسين مانع أبوساق
علم اجتماع
إضافة تعليق جديد