عرف الإنسان النفط قديماً من خلال ما تسرب منه على سطح الأرض، واستخدمه كوقود للطبخ والتدفئة لأول مرة في التاريخ في مناطق سواحل بحر قزوين، كما تم استخدامه في البناء في جدران مدينة بابل، وتم ذكره في الحضارة الفارسية واليونانية، كما استخدمه المصريون القدامى قبل 4000 سنة قبل الميلاد كوقود وللتحنيط.
وتم العثور على كثير من بحيرات الأسفلت في أنحاء متفرقة من العالم كبحيرة بيتش في جزيرة ترينيداد، والتي تعتبر أكبر بحيرة أسفلت في العالم، وتوجد العديد من بحيرات الأسفلت في منطقة البحر الأحمر وتركمانيا، ويعتقد أن الصينيين أول من استخدم الغاز الطبيعي، وذلك قبل 900 سنة قبل الميلاد عندما استخدموا أنابيب شجر البامبو لنقل الغاز إلى بيوتهم.
لم يهتم الإنسان بالنفط إلا عندما استطاع إخراجه من باطن الأرض بكميات كبيرة، وكان أول ما فعله لحفظ هذا النفط هو حفر أحواض في الأرض لجمعه ومع مرور الزمن تمت توسعة الأحواض وحفرها أعمق، وبهذا بدأ الإنسان أول عمليات إنتاج النفط، واستمر الحال هكذا حتى عام 1859م.
ولقد ساهمت معظم الحضارات في تطوير الاستفادة من النفط عبر التاريخ، فالعرب هم أول من استطاع تقطير النفط واستخراج منتجات قابلة للاشتعال بسرعة، أمكن استخدامها في البيوت والشوارع، والمغول أول من استخدم الأقداح التي تحتوي على النفط المشتعل كسلاح ضد الأعداء.
في العصر الحديث يعتبر الألماني إكريكولا أول من درس خواص النفط ودوَّن كيفية تكريره وذلك عام 1556م، وفي عام 1837م تم إنشاء أول معمل تكرير في مدينة باكو على يد المهندس فوسكوبوتيلوف بينما أقيم أول معمل تكرير في أمريكا عام 1861م في بنسلفانيا على بعد ميل واحد من البئر الذي حفره المهندس دريك والذي أنتج 2000 برميل في السنة الأولى.
واجهت هذه الصناعة الحديثة تحديات كثيرة في بدايتها، كان أبرزها كيفية تخزين النفط وكيفية نقله من الآبار إلى معامل التكرير، وبطبيعة الحال كان أول ما أنتج هو البنزين وكان يعتبر سائلاً لا فائدة منه فكان يرمى في البحر، أو يحرق في الهواء الطلق، واستمر الحال هكذا حتى تم تطوير محرك آلة الاحتراق الداخلي وبدأ استخدام البنزين كوقود لتشغيل هذا المحرك على يد الألمان.
كان لزامًا على الإنسان تطوير تقنية حفر وإنتاج النفط، واللجوء للدراسة والبحث العلمي، لذا تقرر إدخال مناهج تقنية النفط لأول مرة في الجامعات عام 1910م في جامعة بتسبرج بأمريكا، وقد منحت أول شهادة في هندسة البترول من جامعة بتسبرج عام 1915م، وبدأت الجامعات في أنحاء العالم بتقصي مشاكل الحفر والإنتاج، وبدأ التفكير لإيجاد وسائل لتحسين تطبيقات الحفر وتحسين تصميم البئر باستخدام المقاييس المناسبة للأنابيب ومنع التسرب.
ومع اكتشاف المزيد من النفط بدأ التركيز على دراسة حقل النفط بدل التركيز على البئر الواحد، وأدت دراسة مواقع الحفر وتعيين المسافة بين البئر والآخر إلى ظهور مفهوم هندسة المكامن.
خلال المئة سنة الماضية استهلك الإنسان ما يقارب 800 بليون برميل من النفط، ففي عام 1850م لم يكن إنتاج النفط شيئًا يستحق الذكر، وفي عام 1900م بلغ 900,000 برميل في اليوم، وخلال 64 عامًا فقط أي في عام 1964م قفز الإنتاج العالمي إلى 29 مليون برميل في اليوم، والآن يصل إنتاج العالم من النفط إلى حوالي 80 مليون برميل يوميًا وأكثر من تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.
كان النفط في السابق يستخدم في دهان القوارب وعلاج الحيوانات وكأسمنت للبناء، واليوم لم يعد مصدرًا للطاقة وحسب، بل أيضًا مصدرًا لصناعة المطاط والنسيج، بالإضافة لصناعة الكثير من مستلزمات الحياة كالأدوية والأواني وغيرها، وأصبح يلعب دوراً أساسياً ومهماً في حياة الإنسان الحديثة، وأصبح لإنتاجه واستهلاكه تأثير كبير على الاقتصاد الوطني للمجتمعات ويتحكم في السياسة الدولية.
عمرعبدالعزيز الحريشي
جيوفيزياء
إضافة تعليق جديد