إن أنس فلا أنسى رجل الإعلام المهيب، الذي تتلمذ على يديه جيل من الإعلاميين والأكاديميين، الدكتور عبدالرحمن بن محمد الشبيلي «أبوطلال» رحمه الله، فقد كان نموذجا فريدا في صفات عديدة ترسخت في ذاكرة طلابه ومحبيه.
كان د. الشبيلي ذا حضور متميز، وكان السعودي الوحيد في قسم الإعلام، وكان يدرس مقرر «تاريخ الإعلام السعودي» حيث كنا في حالة انبهار بما يملك من كاريزما شخصية، وتدفق علمي في معالجة قضايا الإعلام، فهو إذ يحدثنا عن الإعلام السعودي كأنه يتكلم عن محطات في حياة عبدالرحمن الشبيلي؛ فتجاربه الإعلامية وصحبته لأول وزير إعلام جميل الحجيلان وقصصه عن نشأة وتطور التلفزيون أعطت المادة نكهة مختلفة.
كذلك لا أنسى دماثة خلقه ورقيه في التعامل معنا - نحن معشر الطلاب - فذات يوم طرح موضوعا لا يملك أحدنا معلومة عنه، فرفع طالب يده قائلا: هل يمكن أن أطرح رأيي يا دكتور؟ فما كان من «أبي طلال» إلا أن انطلق في حديث أخاذ عن حرية الرأي في الحرم الأكاديمي، واحترام كل صاحب رأي، فضلا عن أن يكون طالبا مبادرا، مؤكدا أن الجامعة محضن للحوار والنقاش والفكر الإبداعي؛ فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وما يطرح في الإعلام هي اجتهادات ونظريات.. الخ.
وبعد ردح من الزمن قابلت د. عبدالرحمن الشبيلي وهو رئيس مجلس إدارة إحدى المؤسسات الصحفية، لأجد الرجل لم يتغير في تواضعه وحرصه وتوجيهه الصادق الذي ينم عن شخصية تعيش بسلام ورقي داخلي انعكس في سلوك عفوي، ملك به قلوب الجميع.
أثرى الدكتور الشبيلي المكتبة الإعلامية بعدد من المؤلفات التي تعد إضافة نوعية، ومن ذلك دراسات تحليلية لمراحل تاريخ الإعلام السعودي، فباتت مرجعية للأكاديميات الإعلامية داخل وخارج الوطن.
لم يغب اسم الشبيلي عن قسم الإعلام؛ فكان هناك تواصل مستمر، وكان منزله مفتوحا لكل إعلامي ولكل باحث، ويجود - رحمه الله - بما يملك من علم ومعرفة وكتب لكل زائريه، ولم يبخل يوما على أحد.
ولعل ما يجعلني أشعر ببعض الوفاء لهذا العلم الإعلامى الوطني أن أول زيارة في إطار سلسلة زيارات لجنة خريجي قسم الإعلام كانت للراحل، حيث أكد في كلمته لوفد اللجنة أنه رهن الإشارة لكل ما يخدم الخريجين والقسم، وأسعدنا بإهداءات مجموعة من كتبه القيمة؛ حيث تضم مكتبته الغنية مراجع نادرة في التخصص.
ولم يكن تقدم الفقيد بالسن حائلا دون مواصلة عطائه العلمي؛ فقد انكب رحمه الله في كتابة تاريخ وتوثيق محطات مختلفة في الإعلام السعودي؛ وحدثنا عن عدد من مشاريعه العلمية، والتي آمل أن يواصل تلامذته استكمالها.
ألا رحم الله فقيد الإعلام والوطن الدكتور عبدالرحمن الشبيلي.
د. عادل المكينزي
makinzyadel@ksu.edu.sa
إضافة تعليق جديد