التميز سُنة من سنن الله تعالى في الكون، وقد ميز الله عز وجل البشر بأشياء كثيرة؛ كالتميز في اللغة ولون البشرة وإتقان العمل؛ قال تعالى «وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ» سورة الروم: 22، وقال سبحانه «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ» سورة الملك: 2.
والتميز في معجم اللغة العربية المعاصرة جاء بمعنى: تميَّزَ من يتميَّز، تميُّزًا، فهو مُتميِّز، والمفعول مُتميَّز منه. تميَّزَ الشَّيءُ: امتاز، اختلف عن سواه بعلامات فارقة. تميَّز بكذا: عُرِف به. أما معناه في مصطلحات التنمية البشرية فهو قدرة الفرد على إنجاز نتائج غير مسبوقة يتفوق بها على نفسه وعلى الآخرين وأن يتحاشى قدر الإمكان التعرض للخطأ من خلال الاعتماد على وضوح الرؤية وتحديد الأهداف والتخطيط الدقيق والتنفيذ السليم والتقويم المستمر، وبالطبع فإن الالتزام بهذا المفهوم سوف يؤدي إلى نجاح الفرد سواء في دراسته أو عمله أو حياته.
ولاشك أن التميز مطلب يسعى إليه كل إنسان طموح، ولكن الغريب عندما يكون هذا التميز لا يصب في مصحلة الفرد ولا المجتمع، خذ على سبيل المثال بعض شبابنا اليوم هداهم الله وضعهم الاقتصادي ضعيف، وربما تكون المكافأه الجامعية مصدر الدخل الوحيد له، ومع ذلك نلاحظه يقوم باحتساء كوب قهوة غالية الثمن في محل القهوة «Coffee shop» بشكل مستمر، وإذا سألته «لم تصنع هذا يا بُني
وظروفك المادية صعبة؟!»، يقول أريد أن أكون متميزاً أمام زملائي. سبحان الله! هل هذا هو التميز الذي نبحث عنه؟! إنه تصرف لا يبني حضارة ولا مجداً ولا يصنع تميزاً.
إن الشباب اليوم يعيش مجموعة من التحولات في طرق العيش وأساليب التفكير وأنماط السلوك التي يمكن وصفها بأنها مرحلة انتقالية تنطوي على تداخل التقليدي والحديث، هذا التداخل بين المحلي والعالمي بفعل تأثير ثورة الاتصالات والمعلومات، والشركات العابرة للقارات؛ قد انعكس على مختلف الشرائح الاجتماعية، إلا أن الشباب وبحكم خصائصهم وتطلعاتهم وتأهيلهم العلمي كانوا أكثر تأثراً بهذه التحولات وما نجم عنها من تأثيرات سلبية أو إيجابية على السواء.
نحن لا نريد التضييق على شبابنا بعدم الاستمتاع بالحياة وملاذاتها، ولكن عليهم أن يكون عقلانيين في تصرفاتهم وممارستهم اليومية، وأن يتصرفوا بحكمة وحسن تدبير في جميع شؤون الحياة، ولا عذر لهم اليوم؛ فالحجة قائمة عليهم مع هذا الانفتاح الإعلامي الضخم وشبكات التواصل الاجتماعي المنتشرة حتى في جيوبهم، ولا نعتقد أنه ينقصهم العلم والمعرفة والقدرة على التمييز بين ما ينفع وما يضر.
أخيراً، اعلم أيها الشاب أن التميز لا يأتي من خلال احتساء كوب من القهوة غالية الثمن أو من مكانة أسرتك الاجتماعية والاقتصادية، وإنما بالجد والاجتهاد والإقبال على العلم والمعرفة، ولا سبيل أمام وصولك إلى وظيفة مرموقة ومكانة اجتماعية مرتفعة؛ إلا بمزيد من الجهد والعمل الدؤوب، والمحك والاختبار الحقيقي لك هو ميدان العمل والحياة، وانظر إلى تجارب وسير المتميزين كيف بدأوا وإلى أين وصلوا، وإلى اللقاء.
د. علي بن أحمد السالم
المدينة الطبية الجامعية
إضافة تعليق جديد