تحيط بالأستاذ الجامعي هالة كبيرة، يحوطها الكثير من الاحترام والتقدير ليس بين طلابه فحسب، بل في مجتمعه الصغير والكبير كذلك، ولكن يحوط هذه الهالة كذلك شيء من الغموض والجهل بطبيعة عمل الأستاذ الجامعي لدى كثير من الطلبة، فهم لا يعرفونه إلا في قاعة الدرس/المعمل أو في مكتبه ضمن الساعات المكتبية المحددة، وهم بالتالي لايعلمون تفاصيل ولا طبيعة أعماله الأكاديمية الأخرى، ولعنا في هذا المقال نبين طبيعة عمل الأستاذ الجامعي لتوضيح شيء من ذلك الغموض، ولتشجيع المتميزين ممن يرغبون في دخول غمار الحياة الأكاديمية يوماً ما، فدعونا ننطلق.
ينقسم عمل الأستاذ الجامعي إلى أربعة مهام رئيسية هي: التدريس، والبحث العلمي، والعمل الإداري، والخدمة المجتمعية.
أما جانب التدريس فهو الجزء الأكبر من عمل الأستاذ الجامعي الذي يعرفه الطلاب ويتعاملون معه بشكل مباشر، والذي يبدأ من تصميم منهج المادة التي سيدرِّسها الأستاذ، ثم تقديمها للطلاب بشكل محاضرات نظرية أو عملية داخل قاعات الدرس أو في المعامل، ومن ثم استقبال أسئلة الطلاب ومناقشاتهم عن المادة العلمية المقدمة سواءً في داخل القاعة أو خارجها ضمن ساعاته المكتبية.
كذلك يقوم الأستاذ بالإشراف على المشاريع البحثية لطلبة الماجستير والدكتوراه، وأخيراً عمل التقييمات والاختبارات المناسبة لتقييم استيعاب الطلبة للمادة العلمية المقدمة، ثم رصد الدرجات وإعلان النتائج. لعل هذا الجانب من حياة الأستاذ الأكاديمي واضح لدى أغلب الطلاب، ولكن ما لايعرفه الطلاب هو أكثر من ذلك بكثير.
ننتقل للقسم الثاني من مهام الأستاذ الجامعي وهو البحث العلمي، كل بحسب تخصصه، ويستنفد البحث العلمي والتأليف من الأستاذ الجامعي وقتاً كبيراً من أسبوعه سواءً داخل مكتبه أو معمله في الجامعة أو في بيته، حيث يجري أبحاثه النظرية أو العملية، ويراجع البيانات الإحصائية، ويكتب مسودات إنتاجه العلمي، ثم يتواصل مع المجلات العلمية بغرض النشر، وكذلك تقديم أبحاثه في المؤتمرات المحلية والدولية.
هذا الجانب لا يعرف تفاصيله الطلاب في العادة، خاصة في مرحلة البكالوريوس، وإن كان قد يتضح لهم بصورة أكبر خلال دراساتهم العليا لأنهم سيقابلون وقتها الأستاذ الباحث أكثر من الأستاذ المُعلم.
ويعتبر البحث العلمي أداة مهمة من أدوات تطور الأستاذ الجامعي وتقدمه علمياً؛ حيث تعتمد ترقيته الأكاديمية بشكل كبير على إنتاجه العلمي. إن البحث العلمي والتأليف والتعليم المستمر مهارات ضرورية للأستاذ الجامعي، يقودها الشغف، وتحتاج لكثير من الجَلَد والصبر، وهذا جانب مهم لابد أن يدركه كل من يفكر بالانخراط في السلك الأكاديمي مستقبلاً.
أما القسم الثالث من عمل الأستاذ الجامعي فهو المهام الإدارية، فلا يكاد يخلو أستاذ من تغطية عمل إداري ما، سواءً كان على مستوى قسمه أو كليته أو على مستوى الجامعة؛ فقد يكون رئيساً أو نائب رئيس للقسم، أو عضوا في إحدى اللجان العاملة على أحد المستويات المذكورة آنفاً، أو يكون مشرفاً على النشاط الطلابي اللاصفي، بل قد يمتد عمله الإداري أحياناً خارج نطاق الجامعة في تقديم الاستشارات للمؤسسات الحكومية أو الأهلية.
قد تستنزف الأعمال الإدارية شيئاً من وقت الأستاذ، خاصة ذلك الوقت المتعلق بالعمل البحثي، ولكنه أمر لابد منه لصقل مهارات العمل الإداري للأستاذ الجامعي، إذ لا بد لأستاذ الجامعة من أن يتقن شيئاً من مهارات الإدارة والقيادة حتى ولو لم يحبها، فهي جزء أصيل من عمله أياً كانت درجته.
يبقى قسم رابع وهو الخدمة المجتمعية، فمن المتوقع من الأستاذ الجامعي أن يساهم في تطوير مجتمعه سواءً بشكل غير مباشر عن طريق تعليم وتخريج الكفاءات التي ستقود المجتمع في يومٍ ما، وبشكل مباشر عن طريق أبحاثه التي تعمل على علاج مشاكل المجتمع المحلي، هذا بالإضافة إلى المحاضرات والندوات والمبادرات التي يقدمها للمجتمع مع طلابه أو ضمن مبادرات الجامعة لمناقشة وحل المشكلات التي تواجه المجتمع، فالجامعة ومنسوبوها جزء من المجتمع يتأثر به ويؤثر فيه، وما لا يعلمه الكثير أن العمل المجتمعي يحمل وزناً معتبراً في تقييم أداء الأستاذ الجامعي.
هذه صورة بانورامية لبعض ما يقوم به الأستاذ الجامعي، قد لا تراها – عزيزي الطالب - كلها يومياً، ولكنها دوماً هناك، قد تبدو الحياة الأكاديمية حياةً هادئة لمن يراها من الخارج، ولكنها حياة صاخبة نشطة لمن يمارسها من الداخل، خاصة عندما يحركها طلاب مجدون يدفعهم النشاط، ويحدوهم الأمل في مستقبل عامر لهم ولوطنهم المعطاء.
أتمنى أن يكون هذا المقال قد ساعدك - عزيزي الطالب - في فهم طبيعة عمل أستاذك، وأن يكون محفزاً لك لتكون أحد أعضاء السلك الأكاديمي يوماً ما، ولكن مثل هذا القرار يحتاج منك إلى جد واجتهاد وتخطيط يبدأ من الآن، بمجرد فراغك من قراءة هذه السطور، إن لم يكن قد بدأ بالفعل، تمنياتي لك بالتوفيق.
أ. د. أحمد بن علي الصرخي
أستاذ طب الأطفال - كلية الطب
إضافة تعليق جديد