الكلمة مجموعة حروف ذات تأثير كبير على الفرد المرسل أو المستقبل لها؛ فهي تؤثر في سلوكه وعقله وتفكيره وانفعاله، وتحدد طريقته وأسلوبه في التفاعل مع الآخرين، ونمط شخصيته كما تحدد طريقة وأسلوب استجابة الآخرين في التفاعل معه، وما يقومون به من أفعال وتصرفات وما يتخذونه من مواقف تجاهه.
والعاقل يفكر ملياً قبل نطق الكلمة فلا يخرجها بلا حساب أو تقدير بل يفكر في معناها وتأثيرها على الآخرين، ويعّبر عن أفكاره وعمّا يواجهه من مواقف وظروف بأجمل الكلمات فيريح ويرتاح.
ومن خلال الكلمة نعبر عن ذواتنا وعن الآخرين، ونتواصل معهم وننقل من خلال الكلمات المعاني والأفكار والخواطر والثقافات بين البشر، فالكلمة هي أداة العقل والمعبرة عن المشاعر والأحاسيس والانفعالات وخبايا ومكنونات إدراكات الفرد ومستوى تفكيره.
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ذو الخلق العظيم كما وصفه المولى عزوجل يقول: «أُمرت أن أخاطب النّاس على قدر عقولهم». فالفروق الفردية بين الناس تحتاج منا لأسلوب خاص في التواصل معهم.
والكلمة الطيبة تُطيب القلب، وتجبر الخاطر، وترفع المعنويات، وتُمتن العلاقات بين الناس، وتدعو للتفاؤل، والكلمة الطيبة صدقة تبقى آثارها على الفرد إلى يوم القيامة، وهي دعاء واستغفار وذكر لله عز وجل، تزيل الهموم وتريح القلب، وتناجي بها الخالق.
والكلمة الطيبة تزرع الخير والحب والفضيلة قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثابت وفرعها في السماء». والكلمة الخبيثة فيها السخط، وتكدير الخاطر، والنقمة، والألم، والسوء، وتبعث على التشاؤم واليأس، وتنفر الناس وتضعف الروابط بينهم، وتستثير المشاعر السلبية لدى الفرد والعواطف المؤذية، فهي باعثة على الشر والخراب والدمار.
والكلمة وسيلتنا للتعبير عن أفكارنا ومشاعرنا فتؤثر على سلوكنا وترسم ملامح شخصياتنا وتحدد استجابة الآخرين لنا، فهي أفكارنا الطيبة والحسنة التي نؤمن بها ونحدث بها أنفسنا «حديث الذات» كما يسميها «اليس» العالم المشهور صاحب نظرية الاتجاه العقلاني الانفعالي، فقد تُسبب لنا التفكير المنطقي والعقلاني فتكون سبباً في سعادتنا، وقد نفكر بسوء وبطريقة غير عقلانية مما يزيد من تعاستنا وشقائنا، والفكرة أصلها كلمة.
وعلينا كمربين ومعلمين أن نكون قدوة في استخدام الكلمات الطيبة، وأن نعلم الأجيال القادمة من خلال الأسرة والمدرسة، أهمية التواصل بالكلام الطيب، ونجنبهم استخدام الكلمات السيئة والتنابز بالألقاب، والكلمات العدائية المثيره للعدوان والفتنة والشحناء والغضب بين الناس.
فكلما كانت المفردات الطيبة والخيرية كثيرة لدى الفرد ويستخدمها بشكل عفوي، كلما كان ذلك أفضل له ولمجتمعه والعكس صحيح، فلنحث أبناءنا على استخدام أفضل الكلمات الطيبة الباعثة على الخير والتفاؤل ونبعدهم عن الكلمات السيئة الباعثة على الشر والعدوان.
كما أن مخاطبة الناس جميعاً المؤمن والكافر يجب أن تتم بالكلمة الطيبة والحسنة: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾، فهذا يشمل كل البشر، وأهل الكتاب نخاطبهم ونجادلهم بالكلام الحسن الطيب قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن﴾، والدعوة إلى الله عز وجل تكون بالكلام الطيب قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والموعظة الحسنة﴾ والكلام مع الكافر يكون أيضاً بالكلام الطيب لأن وقعه على النفس أفضل، وذو تأثير سحري على النفس، قال تعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾، فمع كونه طغى وتجّبر طلب المولى من نبيه أن يخاطبه بالكلام الطيب.
وحتى أعداء الفرد ينبغي أن يكلمهم بالكلام الطيب والأفعال الحسنة قال تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم﴾، فهذا هو ديننا العظيم الذي ينبغي أن نتمسك به، ونفخر به، فهو ليس دين الإرهاب ولا العنف لكنه دين المحبة والخير والسلام.
د. علي موسى الصبحيين
قسم علم النفس - كلية التربية
إضافة تعليق جديد