مع جائحة كورونا كَثُر السؤال عن تلك الحبة أو الشربة أو السَفّة التي تقوي جهاز المناعة.
وهو سؤال قديمٌ متجددٌ، تسأله الأمهات لرفع مناعة أطفالهن الغضّة، ويسأله الكبار لدعم مناعتهم الواهنة، فهل هناك حقاً أكسير سحري يرفع المناعة ويقويها!
الحقيقة أن جهاز المناعة هو عبارة عن منظومة متكاملة وشديدة التعقيد، تُطبع في جينات الإنسان منذ بداية تخلقه، وتُصنع خلاياه وأسلحته في نخاعه العظمي بشكل أساسي.
ويتكون جهاز المناعة من عشرات بل مئات المكونات الخلوية والكيميائية، ولا يتوقع أن تناول مادة معينة مثل الثوم أو فيتامين «ج» سيغير هذه المنظومة المبرمجة جينياً بشكل دراماتيكي كبير.
إن أجسامنا مبرمجة على حالة من التوازن في جهاز المناعة لا تتغير انخفاضاً أو ارتفاعاً إلا بالمرض؛ نعم قد يؤدي سوء التغذية بشكل عام، أو نتيجة نقص مادة غذائية معينة في الجسم إلى ضعف في أحد مكونات المناعة في الجسم، ولكن ما أن تعوض هذه المادة الناقصة «مثل الأحماض الدهنية الأساسية» حتى ترتفع المناعة للمستوى الطبيعي، ولكن لا يوجد حتى الآن عنصر غذائي وحيد، أكان عسلاً أم ثوماً أم شاياً أخضر أو حتى حبة فيتامين تجعل مناعة شخص «سليم» أقوى من غيره لمجرد أنه أخذ هذه المادة أو تلك.
ثم إنه من المفترض في ثقافتنا العربية، بسبب حبنا للعسل والثوم والزنجبيل، أن نكون الأوفر صحةً، والأطول أعماراً بين كل أجناس الأرض، ولكن هذا الكلام غير متحقق على أرض الواقع، والحقيقة أن الأمر لا يتعدى أن يكون مجرد دعايات تسويقية الهدف منها بناء مناعة جيوب التجار فحسب.
أما الفيتامينات فهي لا ترفع المناعة لدى الأشخاص الذين لا يعانون من أي نقص فيها، بل بالعكس فإن الإفراط في تناولها خاصة الفيتامينات الذائبة في الدهون مثل «فيتامينات أ، د، هـ، ك» قد يؤدي الى مضاعفات لا يُحمد عقباها، لأنها تتراكم في الجسم ولا يمكنه التخلص منها بسهولة. أما الفيتامينات الأخرى الذائبة في الماء «مثل فيتامين ج أوالزنك» فإن الجسم يقوم بالتخلص من الزائد منها أولاً بأول عن طريق البول، وبالتالي فالإفراط في تناولها دون داع طبي أمرٌ غير ذي جدوى.
ثم إن «المناعة الفائقة» التي يبحث عنها بعض الناس وكأنها أكسير الحياة، قد لا تكون شيئاً محموداً دائماً، والدليل هو أمراض الحساسية وأمراض المناعة الذاتية «مثل مرض السكري من النوع الأول، ومرض حساسية القمح، والأمراض الروماتيزمية وغيرها» والتي تحدث نتيجة وجود نشاط مفرط وغير طبيعي لجهاز المناعة، مما يجعله يحارب نفسه لأسباب غير مفهومة، مرسلاً أسلحته كالنيران الصديقة ضد خلاياه وأنسجته.
باختصار؛ إن اتباع نظام غذائي متوازن بلا إفراط ولا تفريط، وممارسة الرياضة المنتظمة، والابتعاد عن زيادة الوزن والتوتر، وترك التدخين والسهر، والحرص على تطعيمات الأطفال الأساسية وتطعيم الإنفلونزا الموسمية، هي حقيقةً ما يجعلنا نمتلك جهاز مناعة طبيعي ومتوازن، أما حلم السوبرمان وحلم المناعة الفائقة فهما لا يوجدان إلا في الروايات الخيالية، والدعايات مدفوعة الثمن.
أ. د. أحمد بن علي الصرخي
أستاذ طب الأطفال، كلية الطب
إضافة تعليق جديد