أتوجه إليك بالشكر كوفيد 19 ، رغم كل ما سببته لنا من آلام وأوجاع ومفارقة أحباب ، رغم كل الأحداث التي غيرت مجريات حياتنا بأكملها ، رغم الآلام التي شعرناها ، ورغم منتغيرات أنماط حياتنا ، المصافحة ، العناق ، الابتسامة التي أخفيتها تحت الكمامة واختفت من على وجوهنا والتي كنا نوزعها على الآخرين بحب وأمل وتمني التوفيق والهداية والرشاد لهم، فلم تعد تعابير الوجه واضحة ، واختفى وقل الصبر عند الكثير منا ، رغم الحظر الذي كان حتى تساءلت الحيوانات التي انطلقت في شوارع المدن أين اختفى الناس هل انقرضت سلالاتهم .
رغم كل هذا أشكرك.
أولا : لأنك عرفتنا قيمة نعم لم نكن نشعر بها ، وكنا نزاولها ونتمتع بها ليل نهار دون شكر المُنعم ، ودون حمد على ما أعطانا من هبات كانت كالماء يسري في الأودية فتعجب كل كائن حي وتثمر أخضر وينعه وتثمر علاقات إيجابية وود وسلام وسكينة وصحة نفسية.
من هذه النعم نزولك من منزلك دون أي قيود ودون خوف من عدو لا تراه وعودتك اليه دون قيود ، تأكل وتشرب دون قيود سوى غسل معتاد ونظافة معتادة مألوفة غير مبالغ فيها ، نعمة أن تقابل من تحب ومن لك بهم صلة رحم وأصدقاء، فتعانق وتصافح وتبتسم بقلبك وعقلك وجوارحك وتعانقهم دون خوف من أي شيء أو من مرض أو عدوى ، نعمة التحرك بسلام بين طيات الأماكن والحدائق والمولات والأسواق دون خوف من شيء ، نعمة الذهاب لعملك وهو نعمة في حد ذاته ، فتبذل وتقدم وتعطي وتجتهد فيه دون حذر من أي شيء، وصدق الله عز وجل في كتابه « وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها «.
نعمة أن تنام في بيتك آمن لا تخشى ضيف يقدم عليك أو قريب يسأل عنك أو حتى خوفك من أن تقبل أولادك أو أن تلمسهم خوفا من شيء لا تراه بالعين المجردة .
نعم أشكرك كوفيد 19 على هذه الطفرة في التعلم عن بعد وكم الإبداعات الرائعة والهائلة في التطبيقات الجديدة والمبتكرة والتي اخترعت لتسد ثغرة التعليم الحضوري للأساتذة والطلاب ، وكم الفصول الافتراضية التي تم انشاؤها ليستفيد منها أبنائنا الطلاب، بل كم الإبداعات غير المسبوقة في استخدام ادوات التعليم عن بعد بحد ذاته ، وكان مفهوم البعض عنها بأنها رفاهية مطلقة أو وأحياناً مُستهلكات للميزانية.
نعم شكراً كوفيد 19 في أن عرفتنا قيمة الوقت وأهميته بل واختصاره في عمليات التعليم والتعلم حتى أنه يمكننا الأن تبني منحى تسريع التعلم لطلابنا الموهوبين والفائقين والمبدعين ومن يحاكيهم لينتهوا من دراستهم الجامعية بل ودراساتهم العليا والحصول على الدكتوراة وهم ذوات الخمس عشرة عاماً .
نعم شكراً كوفيد 19 أن في أن جعلتنا ندرك أن التنمية المهنية كان يمكن أن تقدم في أوقات مختلفة ليستفيد منها العاملين في أي مجال عن بعد ودون المساس بمواعيد دوامهم وعملهم ويستفيد منها أكبر عدد من الموظفين والعاملين دون تعطيل لأعمالهم ووظائفهم .
شكراً كوفيد 19 في أن عرفتنا قيمة أوطاننا الغالية المتمثلة في وطننا الثاني الغالي علينا المملكة العربية السعودية ، وخوف قيادتها الرشيدة على حيوات شعبها وحياة وصحة كل انسان يعيش على أرضها لنقدم لها الشكر والتحية والتقدير على ما فعلته وتفعله من أجلنا، وادارتها الاحترافية للسيطرة عليك وتحجيمك .
شكراً كوفيد 19 على ادراكنا لقدر جامعاتنا وأولاها جامعة الملك سعود في خوفها الدائم وحرصها على طلابها وأساتذتها وموظفيها وحياتهم وصحتهم قبل أي شيء ، وتسخير كل امكاناتها في تعليم طلابها عن بعد.
شكراً كوفيد 19 في أن عرفتنا قيمة وقدر ملاقاتنا لأبنائنا الطلاب ووجها لوجه أثناء الدراسة ، ومدى شوق الأستاذ لدراسته لطلابه حضورياً وأنها نعمة من الله وصحة وعافية قبل أي شيء ، وأن وجود الأستاذ وسط وبين طلابه وتوجيههم وتعليمهم مباشرة هو نعمة في حد ذاته.
شكراً كوفيد 19 على أن رددتنا لعودة التفكير في قدر العلم والعلماء والباحثين والمبتكرين والمبدعين والموهوبين علمياً ، وأنهم من أهم الفئات التي يجب أن نوليها اهتمامنا وتعليمنا ورعايتنا لهم ، وحث أبنائنا وطلابنا لاكتشاف أنفسهم وقدراتهم وميولهم وابداعاتهم لينضموا لركب هذه الفئات فهم طوق النجاة ، حين يقف العلم بأنه هو الحل الأول والأخير لنوائب قد لا تكون ضمن استنتاجاتنا المستقبلية، أو لحاجات يفرضها علينا التقدم العلمي والتكنولوجي مستقبلاً ، وأنهم أهم بكثير من أشياء أخرى استولت على تفكيرنا وحياتنا وأساليب معيشتنا.
نعم كوفيد 19 لك الفضل في كل هذا وهناك الكثير مما لم يتسع المجال لذكره ، رغم أني أتشوق لرؤياك ترحل عنا كزائر ، ويكفي ما أخذناه من عِبر .
د. هشام عبده عبد العزيز عبد الغفار
أستاذ المناهج وطرق تدريس الرياضيات المساعد
منسق الجودة - قسم العلوم الأسـاسيــة
السنة الأولى المشتركة
إضافة تعليق جديد