لكل شيء أساس، وصحيفة رسالة الجامعة أسست على أساس متين على يد الدكتور أسعد عبده عام 1395هـ، ومن بعده مشرفون أكملوا المسيرة حتى عام 1404هـ، حين عاد الدكتور ساعد العرابي الحارثي من الابتعاث فانتقلت إليه مسؤولية الإشراف عليها كأول مشرف متخصص في مجال الإعلام، فأحدث فيها نقلة نوعية بدأت بتحويلها من نصف شهرية إلى أسبوعية، ومن ٨ صفحات إلى ١٦ صفحة، وأدخل الإعلان التجاري والألوان، واستقطب إليها عناصر ذات كفاءة وخبرة مهنية عالية، فكان لهم أثر واضح في تطويرها وتحويلها إلى خلية نحل تعج بطلاب التخصص والإعلام، وفتحت صفحاتها لطلاب الجامعة عموماً.
ومن أبرز من تم استقطابهم في تلك الفترة «إبراهيم الصافي» القادم بحماس وعزم للعمل، وهو من العناصر التي ساهمت بفاعلية في بناء الصحيفة وتطويرها، وكان له الفضل - بعد الله - في الحفاظ على توازنها بمعية زملائه طوال فترة عمله التي امتدت لربع قرن تقريباً.
وقد بدأت رحلته مع الصحيفة عام ١٤٠٤هـ، وعاصر خمسة من مشرفيها، وتولى فيها عدة مهام في مجال تحرير الأخبار والتقارير والتحقيقات، وتدريب الطلاب على الكتابة الصحفية، وكان يعمل في صمت ولا تكاد تسمع له صوتاً أبداً.
تميز «الصافي» بجمال الخط حين كان التحرير يدوياً، وكذلك بسلاسة ورصانة الأسلوب، بل وشكّل مرجعية لطلاب التخصص في كل الفنون الصحفية، إضافة إلى خلفيته الثقافية في مجال الأدب والشعر وما إلى ذلك، فضلاً عن إتقانه للغة الإنجليزية، ويشهد له كل من عمل معه بالتميز خُلقاً وسلوكاً وتفانياً؛ لاسيما الطلاب المتدربون الذين أثبت بعضهم وجوده في الساحة الصحفية والإعلامية، وأصبح من الرموز اللامعة التي يُشار إليها بالبنان.
وللإنصاف نقول إن «الصافي» كان شديد الإخلاص لرسالة الجامعة والغيرة عليها، وقد رفض عدة عروض مغرية للعمل خارجها، حتى إن حبه للرسالة أنساه أن يبني بيتا في بلده، وظل دائماً قريباً من الطلاب والزملاء، ورهن طلبهم لنصيحة أو راي أو توجيه أو مساعدة.
وأذكر أنه أجرى عملية جراحية لإزالة حصوة في الكلى عام ١٤١٤، وطلب أن تجرى العملية يوم الأربعاء باعتباره آخر يوم في العمل على العدد الأسبوعي، ويوم السبت ومن السرير الأبيض والجرح لم يستكمل برؤه تماماً اتجه إلى مقر الصحيفة ليشارك في وضع اللمسات الأخيرة لعدد الصحيفة القادم وإعداده للطبع، وجلس لعدة ساعات يعمل متكئاً في وضع المستلقي كي لا يؤثر على موضع الجرح، وله قصص كثيرة مشابهة لا تغيب عن ذاكرة زملائه.
وفي عام 1427هـ غادر الصحيفة تاركاً فجوة في منظومة العمل، وحسرة في القلوب؛ إذ خسرته الصحيفة والجامعة، لكنه انتقل إلى جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية حيث ساهم في إنشاء صحيفة «نبض الجامعة» كواجهة إعلامية لجامعة صحية متخصصة.
في الأسبوع الماضي وصلتني منه رسالة مختصرة يقول فيها «أنا في طريقي إلى المطار نستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه» وكانت رسالة صادمة تركت في نفسي شعوراً بالحزن وودت لو أنها وصلتني قبل ذلك لكي أودعه، وقد أعادتني هذه الرسالة إلى سنين خلت حافلة بالذكريات الجميلة والعطاء والمشاركة.
لا ينسى «صافينا» من عمل وتعامل وتدرب معه، وتبقى ذاكرة صحيفة «رسالة الجامعة» حية نشطة، فهي لا تنسى مؤسسيها ومشرفيها ومخضرميها الذين عاصروها.
عبدالله بن عبدالمحسن الفليج
إضافة تعليق جديد