ألقى المستشار الجيولوجي وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، وأستاذ مادتي النفط وجيولوجية المملكة الدكتور عبدالعزيز بن لعبون محاضرة عامة مؤخراً، في مقر ندوة الشيخ عبدالله بن عقيل في حي الهدى جنوب حي السفارات بعنوان «جزيرة العرب منشأ الحضارات».
وقد نقلت المحاضرة نقلاً مباشرًا عبر اليوتيوب والفيسبوك ومنابر العلم والبث الإسلامي وتويتر والجوال الثقافي، حيث اشتملت المحاضرة المعززة بالصور على عدد من الموضوعات
أهمها المعالم الرئيسة لجيولوجية جزيرة العرب وصخورها ومعادنها، وبراكينها، وما مر عليها من فترات جليدية.
ماء مشتعل!
ومن غرائب المعلومات حول ثرواتها الطبيعية، أن النفط يتسرب إلى مياه البحر الأحمر، والماء يشتعل في القصيم، وأول اتفاقية للتنقيب عن النفط في سلطنة نجد وتأسيس السلطان عبدالعزيز لأول شركة نفط مساهمة، وذلك قبل توحيد المملكة، ومناطق انتشار حقول النفط والغاز وأعدادها، والمناجم القديمة التي بلغ عددها أكثر من ألف منجم، وأبرز مظاهرها التضاريسية أبو الهول ومحجة والفيل، وعجيب وغريب دخولها. الريادة الحضارية لإنسان جزيرة العرب من خلال قراءة سريعة للرسوم الصخرية التي خلفها الإنسان القديم على واجهات الصخور في مختلف مناطق المملكة يعود عمرها إلى العصر الحجري أي ما بين 12 إلى 15 ألف سنة، وهذه الرسومات توثق حياة الإنسان القديم الاجتماعية والثقافية والدينية، وسجل للحياة الفطرية من حيوانات مختلفة عاشبة ومفترسة وزاحفة، ونباتات.
ميراث الإنسان القديم
بعد ذلك أظهر ابن لعبون كيف وثقت الرسومات إبداعات إنسان جزيرة العرب في ترويض الحيوانات، وامتهان الزراعة، وصناعة السلاح للصيد والقتال، وصناعة القوارب، وفنون النقش والرسم المتنوعة، واختراعه للعجلة وصناعته للعربة التي تجرها الحمير والخيول، وما صنعه من منسوجات، وآلات وأدوات مختلفة.
وأشار ابن لعبون إلى أن كثيراً من ممارسات الإنسان في الوقت الحاضر هي موروثة من الإنسان القديم، فبالرغم من وجود الأقلام والأوراق وأجهزة الحاسوب وغيرها ما زلنا نكتب ونرسم على الصخور والجدران، ورغم وجود مختلف وسائل النقل ما زلنا نركب الخيول، وطبع الأكف على الجدران، والأقدام على الأرض، واتخاذ الحيوانات كشعارات ورموز، والتمنطق بالسلاح، ووسم الإبل، وغير ذلك كثير.
وقد بين البروفيسور ابن لعبون أهمية الرسوم الصخرية كمواد تاريخية مهمة توثق التاريخ القديم لإنسان جزيرة العرب ومناخها القديم وسجل لحياتها الفطرية الحيوانية من خيول وجمال وفيلة وزراف وأسود ونمور وقرود وغيرها، كما أن الرسوم الصخرية تدحض مزاعم عدد من الآثاريين الغربيين بأن إنسان الصحراء لا يخلّف آثارًا له، وأن الجمال والخيول مجلوبة إلى جزيرة العرب.
تغيّر المناخ
كما دلت رسومات اللوحات الصخرية على وجود مختلف أنواع الحيوانات والتي تعيش على مناخ رطب وأنهار وبحيرات وغابات، ولوحات أخرى لم يظهر فيها إلا نوع أو أنواع قليلة من الحيوانات، كالإبل تعيش في المناخ الجاف، فقد توقفت الأنهار عن الجريان، وجفت البحيرات، وهاجرت وهلكت الحيوانات واختفت الغابات.
أهرامات شبه الجزيرة
تغيّر المناخ وتعذر أسباب الحياة دفعت بالإنسان إلى الهجرة، حيث المياه والغذاء، فهاجر إنسان جزيرة العرب إلى حيث أسباب الحياة ونقل معه مقومات الحضارة ليبني حضارات أخرى.
وبين أيضا أن تطور المدافن من ركامية إلى مسطبية دائرية ومسطبتين وثلاث وأربع مساطب متدرجة كالتي في «جبل ابن لعبون» بالخرج، وهي الفكرة الأولية لمدافن الأهرامات المربعة المسطبية المتدرجة لهرم زوسر في سقارة قرب القاهرة والتي منها تطورت إلى أهرامات الجيزة.
عمق حضاري
قال تعالى: «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين». ما يعني الريادة الحضارية للمكان، ويؤيد ذلك الريادة من السنة المطهرة حيث قال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا»، وهناك من الأدلة المادية ما يؤيد هذا العمق الحضاري، إذ تم اكتشاف أدوات حجرية عمرها أكثر من1،3 مليون سنة ورسومات صخرية عمرها أكثر من 15،000 سنة، ومعثورات عمرها أكثر من 9000 سنة، وهذه تؤصل العمق الروحي والفكري والحضاري لإنسان جزيرة العرب، بل تؤكد أن حضارته هي منشأ حضارات المناطق المجاورة. وحديثًا بدأنا بكتابة السطور الأولى في مجلدات تاريخنا العريق.
وقد أوصى الباحث بالمحافظة على تراث الرسومات الصخرية من العبث والتدمير والتوسع العمراني والزراعي وغيرها، ودراسة الرسوم الصخرية بشكل مكثف لاستنطاقها لمعرفة التاريخ القديم لإنسان جزيرة العرب.
إضافة تعليق جديد