صدرت الموافقة الملكية الكريمة على حوكمة جامعة الملك سعود بحيث تكون تحت مظلة الهيئة الملكية لمدينة الرياض، ثم ضمها لاحقاً تحت مؤسسة الرياض غير الربحية حال اكتمال تأسسها، على أن تستثنى الجامعة من نظام الجامعات الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/27) لتكون مؤسسةً غير ربحية، مع استمرار العمل باللوائح المتفق عليها في الجامعة، إلى حين اعتماد اللوائح المنظمة للشؤون الأكاديمية والإدارية والمالية والداخلية للجامعة. وتتمتع الجامعة بشخصيتها الاعتبارية واحتفاظها بذمة مالية مستقلة باعتبارها مؤسسةً أكاديميةً مستقلةً غير ربحية. وتبعاً لهذا النظام الجديد، سيقوم مجلس إدارة الهيئة الملكية بالإشراف على الجامعة واعتماد رؤاها وخططها الاستراتيجية، وتقاريرها السنوية، وكذلك اعتماد السياسات الداخلية للجامعة، وميزانياتها وحساباتها الختامية.
والجامعة منذ تأسيسها، قُدِّر لها أن تكون استثناءً في كل شيء، في مبادراتها النوعية، وتميزها الأكاديمي، وجرأتها على التغيير وتحريك المياه الراكدة لتطوير الواقع الأكاديمي نحو الأفضل، فهي من أوائل الجامعات السعودية والعربية التي اقتحمت التصنيفات الدولية، وتتربع حالياً في مركز متقدم في تصنيف شنغهاي بوصفها أفضل جامعة عربية، بالإضافة إلى المنافسة مع شقيقاتها الجامعات السعودية على احتلال مراكز متقدمة في التصنيفات الدولية الأخرى، ولذا أصبحت جامعة الملك سعود معياراً للنجاح والتفوق والمنافسة، وأصبحت الجامعات السعودية والعربية تُحاكي تجاربها ومبادراتها، وتقتبس من جرأتها التي باتت ترسم ثقافةً أكاديميةً وعلميةً متألقة.
حوكمة الجامعة تُمثل خطوةً مهمةً ودفعةً كبيرةً نحو استقلالية الجامعة مالياً وإدارياً وتطورها أكاديمياً وعلمياً؛ لأجل أن تكون في مصاف الجامعات العالمية، من خلال اعتماد معايير أكاديمية عالية ومعتمدة من مؤسسات الاعتماد الأكاديمي المحلية والدولية. كما أن الحوكمة تعني امتلاك الجامعة الأهليةَ الكاملة في اتخاذ جميع قراراتها، ورسم أهدافها، وتنفيذ خططها، وإدارة شؤونها وفروعها وفقاً لاستراتيجياتها ولوائحها وضوابطها الجديدة، والحوكمة تمهد الطريق لاستقلالية الجامعات السعودية الأخرى، ولذا تأتي الجامعة بوصفها رهانًا ناجحًا لمن ينشد التغيير نحو الأفضل، وهذا الرهان لم يكن وليد اللحظة أو من باب المجاملة، بل هو رهان على تاريخ عريق وأداء رفيع منذ تأسيسها بوصفها أول جامعة سعودية عام 1377 هـ (1957 مـ).
هذا التوجه الجديد للجامعة والمتمثل في استقلاليتها الكاملة وخروجها من عباءة وزارة التعليم يرتكز على مجموعة بنود وأهداف مستقبلية تهدف الجامعة لتحقيقها، ولعل من أهمها: (1) استقلالية الجامعة مالياً وتمتعها بشخصية اعتبارية وذمة مالية مستقلة، و (2) اعتماد استراتيجية الجامعة في عدة مجالات منها تحديد العوائد المستهدفة وآلية اتخاذ قرار الاستثمار وتقييم أدائه ومخرجاته، و (3) اعتماد لوائح جديدة عند تعيين منسوبين جدد تكفل اختيار الأفضل والأكفأ وفقاً لمعايير الجودة وتقييم الأداء، مع معالجة أوضاع من لا تنطبق عليهم هذه اللوائح والمعايير.
النقطة الأولى تسمح للجامعة بتنفيذ خططها الاستراتيجية وتحقيق أهدافها وفقاً لميزانيتها المستقلة وعوائدها المالية المختلفة، وعدم ارتهانها لأطراف أخرى قد تؤخر تنفيذ هذه الخطط وتحقيق تلك الأهداف. النقطة الثانية تشكل رافداً مهماً لدعم النقطة الأولى، وذلك بالرغم من إمكانية قيام الجامعة -وفقاً للنظام الجديد- بتقديم طلبات الدعم المالي وقبول الهبات والإعانات والمنح والوصايا والتبرعات، وقد حققت الجامعة خلال السنوات العشر الأخيرة نجاحات كبيرة في مجال الاستثمار، فبدأت في تأسيس البنى التحتية وتشييد أوقاف الجامعة التي تتمثل في سلسلة من المباني الأنيقة على الجانب الجنوبي الغربي للمدينة الجامعية. كذلك عملت الجامعة على إنشاء المراكز الطبية والبحثية، وتوسيع المستشفيات الجامعية، وبناء المجمعات التجارية والمرافق الترفيهية. ويشكل الاستثمار في المجال الرياضي علامةً فارقةً للجامعة، حيث قامت بتشييد الاستاد الرياضي الذي تميز بأناقة التصميم والموقع الجغرافي، والذي ساهم بشكل كبير في تسويق اسم الجامعة إعلامياً في المنافسات الرياضية المحلية والخارجية، وأصبح هذا الاستاد مجالاً للتنافس بين الشركات لرعايته وتشغيله بمبالغ ضخمة. وامتداداً لنجاح الجامعة في الاستثمار الرياضي، تعمل الجامعة الآن على وضع اللمسات الأخيرة للمجمع الرياضي (الأرينا) والمُصمم بشكل يتماشى مع متطلبات الاتحاد الدولي لألعاب القوى والمهيأ تماماً لاحتضان المسابقات الرياضية المحلية والدولية، والمحتوي على مرافق عديدة تشمل المسابح والقاعات الرياضية وصالات الجيم. كل هذه المجالات الاستثمارية تضمن عوائد مستمرة للجامعة تدعم بها ميزانيتها السنوية.
النقطة الثالثة تهدف لبناء الإنسان وتأهيل الكوادر الإدارية والأكاديمية واختيار الأفضل لضمان جودة المخرجات في مجال التعليم والبحث العلمي، إذ لن تصبح الوظيفة حقًا مكتسبا، بل ستخضع للتقييم ومؤشرات الأداء ومقاييس الإنتاج، وهذه النقطة تضع مسئوليةً كبيرةً على منسوبي الجامعة من أعضاء هيئة التدريس والموظفين والإداريين لمواكبة هذه التغيرات والتناغم معها، والعمل على تطوير المهارات الشخصية واكتساب المهارات المهنية التي تخدم المنظومة وتبني المؤسسة بعيداً عن الأنانية والحظوظ الشخصية. كما أن النزاهة والأمانة والشفافية والمصداقية أدوات مهمة ومؤثرة في النظام الجديد للجامعة.
التوفيق كله لجامعتنا العزيزة في هويتها الجديدة، والتوفيق كله لزملائي أعضاء هيئة التدريس ولأبنائي الطلاب، متفائلاً بالمرحلة القادمة، ومتطلعاً لعهد جديد مليء بالتحديات والنجاحات، وكل عام والوطن بقيادته وقادته وأبنائه بخير.
د. خليل اليحيا
كلية الطب
إضافة تعليق جديد