رسالة الجامعة – أريج السويلم
تجيب الدكتورة إيمان بنت نواف الحربي الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية وآدابها قائلة :
لقد كثرت الشكوى من ضعف اللغة العربية الفصحى، وظهر هذا الضعف على ألسنة المتعلمين والمعلمين فضلًا عن غيرهم من عامة الناس، ولا شكَّ أن تعلم اللغة أمر يحتاج إلى التدريب والممارسة المستمرة كما يحتاج إلى معلمين أكفاء ذوي خبرة عالية.
وفي حقيقة الأمر فإن الضعف اللغوي مشكلة قديمة وليست حديثة إلا أنَّها تزداد عبر العصور، فقد لاحظ ابن منظور ذيوع اللحن في العربية ممَّا دعاه إلى تأليف كتابه لسان العرب، إذ يقول في مقدمته: «وذلك لما رأيته قد غلب في هذا الأوان من اختلاف الألسنة والألوان... وصار النطق بالعربية من المعايب معدوداً ... وتفاصحوا في غير العربية فجمعتُ هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفتخرون، وصنعتُه كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون» (لسان العرب ج1ص8)
أمَّا الأسباب والعوامل التي أدت إلى الضعف اللغوي العام الذي تعاني منه اللغة في مجتمعاتنا العربية فعديدة، كما أنَّ ملامح هذا الضعف ومظاهره تظهر واضحة جليَّة في جوانب كثيرة لا يمكن إنكارها حتى في أوساط المعلمين والمتعلمين، فترى الكثير غير قادر على القراءة الصحيحة، أو الكتابة السليمة أو التعبير الصحيح، ونتيجة لذلك كثرت الأخطاء الإملائية والنحوية والتعبيرية.
وهذا الضعف اللغوي العام تتحمله أكثر من جهة، وأسباب الضعف اللغوي متداخلة لا يمكن الفصل بينها، وهي كثيرةٌ تفاوتَ المهتمون بتحديدها وبيان تأثيرها، ومن أهمها:
ـ الأسرة والبيئة التي نشأ فيها الطفل إذ يحرص البعض على تعليم الأطفال من عمر صغير جدًا للغة أخرى كالإنجليزية، فترى الطفل متقنًا لهذه اللغة بينما لغته الأم العربية مكسرة ركيكة، لا يستطيع تركيب جملة واحدة إلا وتتخللها كلمات أجنبية، فماذا لو حصل العكس وحُرص على تعليم الأطفال منذ الصغر اللغة العربية الفصحى؟!
ـ البعد عن القراءة في الكتب ذات الأسلوب الأدبي الرفيع ككتب الرافعي والعقاد والطنطاوي وغيرهم، فممَّا لا شكَّ فيه أنَّ القراءة المستمرة لتلك الكتب تؤثر في فكر القارئ كما تؤثر في لسانه وفصاحته، وهذا السبب مرتبطٌ بالسبب الذي قبله إذ إنَّ للأسرة دور كبير في توجيه الطفل إلى القراءة وتحبيبه فيها إلى أن تكبر معه.
ـ المؤسسات التعليمية وطرق التعليم المستخدمة في تعليم قواعد اللغة، ومن ذلك فصل القاعدة فصلًا تاماً عن النصوص الرفيعة أو التمثيل لها بأمثلة أكل الدهر عليها وشرب من قبيل قام زيد وضرب زيدٌ عمرًا... ونحوها، كما أنَّ عدم الإكثار من التدريبات والتطبيقات المتنوعة على القاعدة اللغوية والاكتفاء بالقاعدة والتمثيل لها سبب في عدم ترسيخها في الذهن.
ـ انتشار العامية ومزاحمتها للفصحى في غالب الأوقات واستعمالها في نواحي الحياة المختلفة أدى ذلك إلى ضعف استعمال الفصحى.
هذه بعضٌ من أسباب ضعف اللغة، قد نتفق عليها وقد نختلف، وقد تكون هناك أسباب أخرى لم أذكرها، إلا أنَّنا نتفق أنَّ هناك ضعفًا عامًا في اللغة لدى أهلها ينبغي أن نبادر إلى معالجته.
وخلاصة القول أنَّ مسؤولية الضعف اللغوي لا تقع على جهة دون أخرى وإنما تقع على جهات عديدة، وهذا يجعل المسؤولية عظيمة تحتاج إلى تكاتف الجهود وتضافرها للحفاظ على اللغة.
إضافة تعليق جديد