البحث العلمي هو مُحصلة تجارب متعددة تصطبغ بكثير من العناء والتضحية، وتعتمد على مكونات عديدة أهمها توفر العناصر البشرية المؤهلة والمؤسسات العلمية المتطورة بالإضافة إلى الإمكانات المادية الهائلة التي تتطلبها حركة البحث العلمي. إن الحديث عن رفع مستوى البحث العلمي يستلزم الحديث عن هذه العناصر جميعها، ولعل أهمها وجود الكوادر الوطنية المؤهلة والقادرة على مباشرة البحث وتطبيقه والإسهام فيه، ويجب العناية بهذه الكوادر وتدريبها، والأخذ بيدها في أثناء مسيرتها العلمية في الجامعة، حيث تتفتح المواهب وتبدأ شخصيات الطلاب في التبلور، والنظر إلى أصحاب المواهب من أولئك الطلاب البارزين والمتميزين؛ لرعايتهم وتشجيعهم وتهيئتهم ليكونوا علماء وباحثين، وعندما تتكون هذه الكوادر فلا بد من أن تُهيأ لهم الأجواء العلمية والبحثية في بيئات متخصصة تحفل بالمعدات والأجهزة والإمكانات التي تساعد الباحث وتسهل مهماته وتوفر له الثقة في النفس من مساعدي بحوث وحاسبات آلية، وكذلك يجب توفير الدعم المالي الذي سيكون له دور كبير في تنشيط البحوث وتوفير الحوافز المادية وإيجاد روح العمل الجاد والسعي الحثيث لإنجاز المهمات.
إن الباحث جزء لا يتجزأ من مجتمعه الذي يعيش فيه، فهو يشعر بمشكلاته، ويتلمس متطلباته، فيسعى جاهدًا لحل تلك المشكلات وتحقيق تلك المتطلبات. ولا شك في أن الباحث قد اكتسب خلال مسيرته العلمية والعملية ما صقل مواهبه وطور أفكاره وبلور شخصيته إلى القدر الذي يستطيع معه أن يجابه تلك المشكلات، ولا يمكن أن يتأتَّى له التصدي لها ما لم تكن لديه الإمكانات المتاحة لذلك. لذا فإن التخصص عامل مهم في العملية البحثية فهو الوعاء الذي يختزن فيه الباحث كل حصيلته ومعطياته الفكرية والعلمية والعملية ليستطيع عندئذٍ التعامل مع جُلِّ -إن لم يكن كل- المشكلات التي يعاني منها مجتمعه وبيئته، ولا يمكن أن يكون نشاطه البحثي محصورًا فقط في إطار ضيق ومحدود من التخصص؛ لأن الباحث لا يمكن أن يعيش في قوقعة معزولة لا يحس فيها بما حوله من مشكلات ومستجدات أخرى تحدث في محيطه وبيئته ولا يستطيع مجابهتها والتصدي لها.
الباحث في معاناته البحثية يهدف إلى إكمال البحث حسب خطته الموضوعة ومن ثم التوصل إلى نتائج محددة وملموسة، ولعل الهدف من البحث قد يتوقف على الغرض الأساسي الذي وضع من أجله، فقد يكون الغرض منه توفير أرضية معينة أو التوصل إلى معلومات محددة لأبحاث و دراسات قادمة، وكذلك اكتساب خبرات جديدة في مجالات بحثية لأغراض البحث العلمي ليس إلا، أو يكون البحث دراسة جادة بغية الوصول إلى حل مشاكل معينة والحصول على نتائج محددة، وفي هذه الحالة لا شك في أن الهدف الأسمى للباحث هو أن يجد لبحثه المجال التطبيقي الذي يستفيد من خططه وطرائقه ونتائجه وتوصياته، ولعل أسوأ مصير يمكن أن يؤول إليه البحث هو أن يقبع في أدراج النسيان أو على أرفف الإهمال واللامبالاة، وبالتالي يُمنى الباحث باليأس والإحباط ومن ثم تضيع الجهود المبذولة في ذلك البحث وتهدر الإمكانات المتاحة له.
يتناول البحث العلمي في المملكة كل الجوانب الضرورية المحققة لأهداف التنمية التي تسنّها الدولة في خططها التنمويَّة وكل ما له مساس بحياة المواطن السعودي والتي تكفل له حياة هانئة ومستقرة وتهيئ له كافة الإمكانات التي تضمن له حياة ميسرة وبعيدة عن الإسراف والتكلف والتعقيد. ولقد لقيت البحوث العلمية في الجامعات السعودية التشجيع كله، حيث أُنشئت مراكز البحوث المتخصصة وانصبت برامج الدراسات العليا نحو البحوث العلمية ذوات الأهداف المركزة والنتائج التطبيقية الملموسة. وعلى سبيل المثال هناك بحوث عن الطاقة الكهربائية للمحافظة عليها وترشيدها واستخدامها الاستخدام الأمثل والوصول إلى أفضل المواصفات التي يمكن التصميم بموجبها لتحسين أدائها ومواءمتها لظروف التشغيل في المملكة. كذلك أُجريت بحوث على بعض الأمراض الشائعة في المملكة وطرق الوقاية منها وعلاجها، بل أيضا التعرف على بعض الأمراض التي لم تكن معروفة من قبل، وأُنشئت وحدات خاصة لتشخيصها وعلاجها، وكذلك تطبيق الميكنة في الزراعة وتطوير كثير من المحاصيل الزراعية وتحسين سلالاتها. كذلك في تطوير مواد البناء باستخدام الخامات المصنعة محليا وذلك لما تشهده حركة البناء وإنشاء الطرق في المملكة من نشاط واسع وما تتطلبه من كميات هائلة من الخامات والمواد المتعددة، كذلك في صناعة المواد الغذائية وسلامتها وطرق حفظها وتعليبها، كذلك في الصناعات البترولية ومشتقاتها بدلا من تصدير الزيت الخام إلى خارج البلاد، ولقد أسهم البحث العلمي في تلك الجوانب وجوانب أخرى مهمة وحيوية تتطلب كثيرًا من النفقات والأموال التي لو تم استيرادها من الخارج سيكون لذلك انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني.
أ.د. عبد الله محمد الشعلان
كلية الهندسة
إضافة تعليق جديد