ُأنشئت جامعة الملك سعود في عام ١٣٧٧هـ )1957م( بوصفها أول جامعة علمية في المملكة، والتحق بها الطلاب من جميع مناطق المملكة. كما فتحت الجامعة أبوابها للفتاة السعودية عام ١٣٨٧هـ )1967م(.
و تم إنشاء فروعٍ لجامعة الملك سعود في مختلف مناطق المملكة بناء على توجيهات سامية كريمة، ثم تحولت بعد ذلك إلى جامعات مستقلة، مثل جامعة الملك خالد في أبها، وجامعة القصيم، وجامعة الجوف، وجامعة جازان، وجامعة المجمعة، وجامعة الأمير سطام في الخرج، وجامعة شقراء، وجامعات أخرى.
حيث تشرفت الجامعة منذ نشأتها بالقيام بدور مهم في تنمية هذا البلد المعطاء لتقدم بعض الوفاء له، مثل إنشاء فروع للجامعة في مناطق المملكة المختلفة التي تحولت بعد ذلك إلى جامعات.
كذلك كان لإنشاء كلية الطب عام ١٣٨٧هـ ، بوصفها أول كلية طب في المملكة دور كبير في تحسين الخدمات الصحية، حيث رسم المؤسسون الأوائل في كلية الطب درجة بكالوريوس ذات مستوى جيد، كما اختيرت جامعات مرموقة في الخارج لابتعاث معيديها للحصول على الزمالات، فانعكست الآية وأصبح المريض السعودي يبحث الآن عن الاستشاري السعودي بدلاً من الاستشاريين من الجنسيات الأخرى، كما أن كثيراً من المرضى من دول مجلس التعاون الخليجي يتوجهون الآن للمستشفيات السعودية للبحث عن العلاج، بعد أن كان كثير من المرضى السعوديين يتوجهون إلى بعض دول الخليج للعلاج. واكتسبت المستشفيات السعودية اختصاصات نادرة جدا مثل فصل التوائم، مما جعل كثيرين من بلدان العالم المختلفة يتوجهون إليها لإجراء هذه العملية المعقدة.
كما تُعتبر كلية طب الأسنان من أوائل كليات طب الأسنان التي أنشئت في المنطقة العربية، وكان لها دور رائد في تطوير خدمات طب الأسنان في المملكة والمنطقة العربية.
و لقد كان كذلك دور كلية الهندسة مميزا في جانبين: الأول دور خريجيها في إنشاء سابك والهيئة الملكية للجبيل وينبع، والثاني دورها في الحفاظ على المستوى الأكاديمي للجامعة.
قامت الدولة رعاها الله بجهود جبارة في مجال تحويل الحكومة إلى حكومة إلكترونية، وذلك بإنشاء مؤسسات مثل «علم» و «الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي )سدايا(» في مجال الخدمات الحكومية والأمن السيبراني، وقد تولى إنشاء تلك المؤسسات زملاء كرام من كلية علوم الحاسب والمعلومات بالجامعة.
و قامت الجامعة بتزويد هذا البلد العزيز بالإمكانيات البشرية المؤهلة وزراءَ ووكلاءَ وزارات و مدراء جامعات و مدراء عامّين، وكذلك خريجين في مجالات الطب البشري وطب الأسنان والتخصصات الصحية الأخرى، وفي العلوم الأساسية والعلوم التقنية والتطبيقية والهندسة والعمارة والحاسب الآلي والزراعة والمحاسبة والإدارة والاقتصاد والتخصصات المالية والإكتوارية، وكذلك في مجال التدريس، وفي مختلف التخصصات الإنسانية. ولها خريجون يعملون في مختلف قطاعات الدولة وفي شركات أرامكو وسابك والهيئة الملكية للجبيل وينبع والبنوك وشركات التأمين وفي جهات أخرى.
ولا نغفل أن للقامات الكبيرة من الشعراء والأدباء في الجامعة دورًا لا يستهان به في إثراء الثقافة والشعر والأدب والنقد الأدبي على المستويين المحلي والإقليمي.
بالإضافة إلى ذلك لقد تم اكتشاف مناطق أثرية هامة في المملكة مثل الفاو والربذة ومناطق أخرى من قِبل زملاء كرام في قسم الأثار و المتاحف، وقد تحول القسم لاحقا إلى كلية السياحة والآثار.
كان عمل الجامعة منذ إنشائها مؤسَّسي، حيث يوجد دور أساسي لمجالس الأقسام والكليات والمجلس العلمي ومجلس الجامعة ولجانها المختلفة الأخرى، ساعد ذلك على أن تكون القرارات قدر الإمكان مدروسة، وأن يكون التعامل بعدالة مع أعضاء هيئة التدريس، وخاصة في موضوع الترقيات، كما ساعد ذلك على نشر ثقافة احترام الرأي والرأي الآخر داخل الجامعة.
كما هو معلوم، فإن جل المبادرات في القضايا الأكاديمية تنبع بداية من الجامعة، مثل إنشاء تخصصات علمية معينة، ونظام الترقيات، وإصدار صحيفة رسالة الجامعة، وإنشاء وقف الجامعة، ... وغيرها، وانتقلت هذه المبادرات إلى الجامعات الأخرى في المملكة بعد ذلك.
وفي نهاية هذه اللفتة التي تحدثنا فيها عن بعض الأمثلة على دور الجامعة الرائد، أرجو أن يتفق معي القراء الكرام في أن الدور المميز للجامعة في خدمة هذا الوطن الغالي والمجتمع السعودي يعطينا بعض الحق في أن نسميها )جامعة الوطن(.
كما تعلمون إن أفضل الأمثلة عن الجامعات في الخارج هي جامعة كاليفورنيا )بيركلي( وجامعة هارفرد وجامعة ستانفورد وجامعات أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك جامعة كامبردج وجامعة أكسفورد وجامعات أخرى في بريطانيا، وهي جامعات يتمحور همها الأساسي حول تكوين قاعدة علمية متينة يتم من خلالها تطوير الإمكانيات البشرية في شتى المجالات العلمية والتقنية.
الجدير بالذكر أن الدولة قد قامت بإنشاء جامعات علمية تُركز على الدراسات العليا والبحث العلمي مثل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وكذلك جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في مدينة ثول. وبعد تكامل الجامعات الناشئة مثل جامعة المجمعة وجامعة الأمير سطام بالخرج وجامعة شقراء، قد يكون الوقت الآن مناسباً أن يُطور دور جامعة الملك سعود بحيث تُولي قدراً أكبر من الاهتمام لمجال البحث العلمي والدراسات العليا. ولكي يتم تحويل جامعتنا لتكون مثل صنواتها من الجامعات العالمية فإن ذلك يتطلب: إنشاء معهد للعلوم والبحوث العلمية بحيث يدعم ويشرف على النشاط البحثي في الأقسام ويتولى الإشراف على الدراسات العليا فيها، والتعاقد مع قيادات بحثية علمية متميزة من الخارج، وخلق برامج دراسات عليا متقدمة باستقطاب طلاب أجانب متميزين عن طريق المنح.
كما لا يخفي عليكم أن لجامعة الملك سعود مكانةً مرموقةً وإرثاً علمياً وأدبيًا وأكاديمياً تراكم على مر السنين، ونطمح جميعا إلى أن يتكامل هذا الإرث ويستمر ويزداد بدعم ولاة الأمر -حفظهم الله ورعاهم- وجهد زملائنا الذين سيبقون مؤتمنين على هذا الكيان.
في الختام رغبت في أن أعبر بهذه المقالة المختصرة عن بعض الامتنان لجامعة الملك سعود، فمنها تخرجت، وعلى حسابها ابتُعثت، وفيها قضيت جلَّ عمري وأسعد لحظاته. كما تعلمت من خلال عضويتي في مجالسها ولجانها المختلفة احترام الرأي والرأي الآخر، وعوملت بعدالة واحترام. وفي جنبات سكن أعضاء هيئة التدريس ومدارسه وناديه تربى أبنائي وبناتي الذين يحملون أجمل وأعبق الذكريات عن السكن وأقرانهم فيه.
أ.د.يوسف بن عبد الله الخميس
قسم الرياضيات
إضافة تعليق جديد