لطالما أُسرت بالشعر و القصائد والمعلقات، ولكنني لم أجرؤ يومًا على كتابة بيتين من الشعر، على الرغم من أنني كاتبة! وهذا لا ينفي بأنني حاولت مرة أو مرتين. وطالما تسائلتُ متى سيولد الشاعر الذي بداخلي ومتى ستنبثق الأبيات من شفتّي؟ ومتى سأفزعُ بحثًا عن حبر وورقة؛ لتفريغ ما تبقى من قصيدٍ بحنجرتي؟ ومتى ستتفجر ينابيعُ الكلمات من أطراف يدي؟
لم أكن أعلم أن شدة الغرق في حالة شعورية في ليلة ما ستجعلني أكتب وأكتب وأكتب حتى لا أستطيع التقاط أنفاسي. حينها علمت بأن الشدة في الشعور هي من تُولِّد الشعراء، وهذا ما تخالفني فيه الدكتورة أسماء الحقيل فهي ترى أن الشعر موهبة متأصلة في الإنسان منذ ولادته، بل شبهتها بالبذرة فإذا كانت البيئة المحيطة بها جيدة ستنمو وتزهر، وإن أهملت ستذبل. إن الممارسة هي أساس الشعر في حال كانت لديك هذه البذرة، فبعض الأدباء لا يستطيعون كتابة قصيدة أو حتى بيت من الشعر، فالبداية الحقيقية لكتابة الشعر تكون بقراءة العديد من الدواوين الشعرية، والاستماع إليها، وحفظ الأبيات الشعرية. فالشعر يحتاج إلى مهتمين ومغرمين به فهو أكثر من وزن وقافية.
ترى د. أسماء أن حالات الإلهام والمواقف النفسية التي يقف عندها الشعراء على بوابة القصائد تختلف من شاعرٍ إلى آخر، وأشارت إلى أنها تكتب وتبحر في حالات الاسترخاء والتأمل، وأن بعض الشعراء لا تشتعل الشعلة بداخلهم إلا في حالات الضغط والحزن أو في كلتا الحالتين. كما أن هناك طقوسا معينة تحفز الشعراء منها: اكتمال القمر، أو هطول الأمطار، فالشعر بالنسبة لها تعبيرًا عن حالاتِ مختلفة.
وأوضحت الحقيل أن مايكتبه الشاعر قد لا يعنيه، ففي العديد من الأبيات سيُخيل لك أن الشاعر يمر بحالة ضغط نفسي؛ لأنك تقرأ بإحساسك وليس بإحساس الشاعر، فمن المرجح أن الشاعراستلهم هذه الأبيات من حديث أجراه مع أحد الأصدقاء، أو لموقف شاهده، أو لسماعه بعض الأهازيج. وأعربت الحقيل أن السبب وراء ملاحظة الشاعر للتفاصيل ونقله للمواقف العابرة على شكل أبيات؛ لأن الشاعر حساس بطبيعته، وليس كما هو متداول بأن الشاعر يشعر بكل التفاصيل أضعاف مايشعر به بقية الناس، فهو يصب تركيزه ونظره لتأمل ما حوله، وحتى الكلمات التي تسقط سهوًا في الأحاديث اليومية فهي تسقط بين يديه ليعبر عنها بالحبر.
فهل تستطيع تخيل ترجمة كل ماتشعر به وتراه من دهشة وبهجة أو حتى شدة الأسى إلى كلماتِ يترنّمُ ويترنّح بها الجميع؟ كلماتٍ ليست كالكلمات، كلماتٍ تفعل الكثير في نفوس الآخرين، تساعدهم على قول ما لم تستطع حناجرهم وأحاسيسهم قوله أو البوح به.
نورة الدوسري- قسم الإعلام
إضافة تعليق جديد