لقد كان للتقدم العلمي والتقني المذهل في عالم اليوم دور كبير في التأثير على ميادين الحياة المختلفة، وتسهيل أساليب العمل، واختصار الوقت، وتطوير وسائل الإنتاج؛ لرفع كفاية المُنْتَج وتحسين نوعيته، لذا بات معروفًا لدى الجميع أن عصرنا الحاضر عصر حافل بوسائل متطورة وطرائق مستجدة وتقنيات متعددة وقنوات متشعبة وإمكانات متاحة في مجالات المعرفة، والعلوم، والتعليم، والتقنية من حيث تنوعاتها المتعددة، وتخصصاتها الدقيقة، ومفاهيمها الشاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتقنية المعلومات، وخاصة ما يتعلق بسلامة البيانات، ونقلها، وتبادلها، وأمْنيَّتها، وسرِّيتها، والتعامل معها، والحفاظ عليها. ومن المشاهد أن كثيرًا من الجهات الحكومية، والهيئات المهنية، والقطاعات الخاصة في مختلف دول العالم تحث على تطوير ودعم وانتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي وشبكاتها الذكية والتوسع في تبنيها وتطبيقاتها.
ولعل ما يأتي في مقدمتها هو ظهور وانتشار الحاسبات الآلية وبرمجياتها المتنوعة وأوعيتها التخزينية التي تعين الطالب والباحث والكاتب في إعداد البحث وتنسيقه وحفظه والرجوع إليه، إلى جانب تنظيم الجداول وعمل الأشكال وكتابة المعادلات وتلوين الرسوم وتنويع الخطوط. إضافة إلى انتشار تقنيات البرمجيات الحديثة في وسائل الإيضاح والعرض المرئي المعروفة بالـ )بور بوينت( التي أتاحت للطالب الجامعي والباحث العلمي والمسوِّق التجاري عرض أفكارهم وأبحاثهم ودراساتهم ومشاريعهم ومنتجاتهم بشكل جذاب وأسلوب مركز ومقنع ومؤثر. ولعل أشهر التقنيات المستجدة في الوقت الحاضر -على الإطلاق- ظهور الشبكات العنكبوتية والمعروفة بالإنترنت، وقد أتاحت هذه التقنية الباهرة عوالم فسيحة وفضاءات عريضة ومجالات واسعة للبحث والاطلاع والاستكشاف والتنقيب، ولقد أدركنا مدى أهميتها وحاجتنا إليها عندما آلمت جائحة «وباء الكورونا» -في شهر مارس من عام 2020- دول العالم أجمع، واضطرت الدول ومن ضمنها المملكة إلى حَجْرٍ كلي لعدة شهور متتالية، وتمت عملية التعليم خلال هذه المدة في جميع المراحل الدراسية افتراضيًا (عن بُعْد) وفُرض بصورة إلزامية وما زال بعض تلك المراحل على هذه الحال حتى الآن .
يعد الكتاب منهلا من مناهل العلم ومصدرًا من مصادر المعرفة يبحث عنه الطالب والباحث والمهتم؛ ليجد فيه بغيته، ولكنه -الآن- بدأ يفقد وهجه وجاذبيته مع حلول الوسائل الحديثة التي استجدَّت في سهولة البحث والتنقيب ونقل المعلومات وتخزينها وإعادة استخدامها، وإذا كنا في عصر السرعة مع الاهتمام بالوقت بوصفها مادةً ثمينةً نحرص على استغلالها والاستفادة منها والحفاظ عليها وعدم إضاعتها وإهدارها فيما لا ينفع ولا يجدي، فقد أتـاحت وسائل الإنترنت خيارات واسعة وطرائق مُيسَّرة في عمليات البحث والتنقيب والاستكشاف والعثور على المعلومات المطلوبة من مصادر متعددة ومراجع متباينة ومن ثم رصدها وتجميعها والإبقاء عليها لحين الرجوع إليها وقت الحاجة. تقدم التقنية المعروفة بـ»البريد الإلكتروني» دورا فاعلا في تسهيل الاتصالات، وإرسال الملفات واستقبالها، وتبادل المعلومات ونقلها من الوثائق أو الصور أو المستندات.
إن استيراد هذه التقنيات المتطورة من الدول الصناعية المتقدمة قد يكون أمرًا سهلا وميسورًا وبخاصة إذا توفرت الموارد الاقتصادية والبشرية في الدول المستوردة، بيد أن عملية الإستيراد قد تستقطع جزءًا كبيرًا من الموارد والإمكانات المادية ولن تكون الحل الأمثل لتطويع التقنية والاستحواذ عليها وامتلاكها وتوطينها، بل إن الحل الأمثل يكمن في مدى الاستعداد والأخذ بزمام المبادرة في عملية النقل والتطويع والتوطين. ولكي تكون عملية التوطين والاستفادة من التقنيات الحديثة ومجالات الذكاء الاصطناعي ناجعة ومجدية،يجب أن تتم من خلال عملية منظمة للتنمية الذاتية ترتكز أساسًا على بناء الفرد وتأهيله وتوجيهه الوجهة الصحيحة، ثم تأتي بعد ذلك عملية الاختيار الواعي بين أنواع التقنيات المتباينة واكتساب وتوطين أفضلها؛ ليلبي الاحتياجات الفعلية والأساسية للمجتمع.
لقد رأت حكومتنا الرشيدة بنظرتها الواعية وفكرها الحصيف أن التعليم وإعداد الكوادر البشرية المؤهلة تضمن نجاح عملية تطويع التقنية وتوطينها، وخاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي المرتكز الأساس والقاعدة الصلبة التي تستند عليها بوصفها مطلبا جوهريا؛ لتحريك العمليات التنموية المتسارعة التي تعيشها المملكة وتنشيطها؛ لتسير معها في مراحل تطورها وازدهارها في مجالات الصناعة، والزراعة، والصحة، والاتصالات، والمواصلات، والتعليم.
الأستاذ الدكتور/ عبد الله محمد الشعلان
كلية الهندسة
إضافة تعليق جديد