يُعد المورد البشري بمثابة العنصر الحيوي في العملية الإدارية للمنظمات، كما تعتمد المنظمات العامة والخاصة في تحقيق أهدافها على مواردها البشرية؛ لما تتمتع به من معارف ومهارات وقدرات ودوافع وطموحات متعددة. لذلك حرصت المنظمات المختلفة على تطوير السياسات التي من شأنها استقطاب أفضل الكوادر والكفاءات، وتوفير البيئة المناسبة لها، وتنميتها وتحفيزها بصورة مستمرة. وبالنسبة لأي حكومة في العالم، فإنها تسعى إلى الحصول على الشرعية (القبول بها، والرضا عنها، والتأييد لها من قبل المواطنين)، وذلك مقابل منحهم جملة من المنافع والخدمات والمشاريع المتنوعة من خلال مؤسسات متخصصة تقتضي لتسييرها سن سياسات حكومية (قوانين- أنظمة ولوائح- قرارات- أوامر...الخ)؛ لتضبط وتحكم عملها وتقديم الخدمات للمواطنين بكفاءة وفعالية وجودة عالية. وتحتاج المؤسسات العامة حتى تتمكن من تقديم الخدمات للمواطنين وجود قوى عاملة مدربة ومحفزة، ومن كافة التخصصات العلمية، وهذه بدورها تتطلب استحداث جهاز مركزي حديث وفاعل يتولى عمليات استقطاب وتعيين واستبقاء وتدريب ومكافأة وتقويم المورد البشري وحل مشكلاته المختلفة؛ سواء بمسمى وزارة أو ديوان أو هيئة، أو أي اسم آخر. ويقصد بقطاع الخدمة المدنية مجموعة العاملين المدنيين الذين يخدمون في الجهاز الإداري للدولة، ويحكمه قانون خاص (قانون الخدمة المدنية) ينظم علاقة الموظف بالدولة وحقوقه وواجباته؛ وذلك تمييزاً لهم عن بقية العاملين في القطاعات الأخرى العسكرية والأمنية والقضائية. وقد عرف العالم ودوله المختلفة نظامين رئيسيين للخدمة المدنية أو للتعيين في الوظائف العامة، وهما: النظام المفتوح (الولايات المتحدة)، والنظام المغلق (الدول الأوروبية). ولا يعني أن تأخذ دولة بواحدٍ منهما أنها تطبقه بشكل مطلق وتهمل الآخر، وإنما قد تأخذ دولة ما من هذا وذاك بنسب معينة وبحسب ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفيما يلي سوف نسلط الضوء عليهما من نواحٍ عدة:
أولاً- نظام الخدمة المدنية المغلق (العلاقة اللائحية): ويتسم هذا النظام بعدة سمات وخصائص، منها أن جهاز الخدمة المدنية يصبح في ظل هذا النظام كياناً قائماً بذاته، ويختلف عن القطاع الخاص الذي يخضع لنظام العمل، وتعد فيه - أي النظام المغلق- الوظيفة العامة مهنة دائمة يتفرغ لها الموظف، ويحكمه قانون خاص (قانون الخدمة المدنية) ينظم كافة حقوقه وواجباته، وفي حال ألغيت الوظيفة يظل الموظف محسوباً على جهاز الخدمة المدنية ويتقاضى راتبه. طبعاً هذا النظام هو السائد في معظم دول العالم وخاصة الدول الفقيرة والنامية؛ لأن الدولة في ظل تخلف القطاع الخاص تصبح هي المسؤول بدرجة أساسية عن توظيف أبناء المجتمع. قد يكون من مزايا النظام المغلق.. الاستقرار والأمان الوظيفي (استمرارية وجود الموظف في الإدارة كقاعدة عامة ما لم يثبت عدم كفاءته، وبعد انتهائها يستحق تعويض نهاية خدمة أو راتب تقاعدي بعد قضاء فترة معينة في الخدمة العامة)، كذلك يقلل من البطالة وأخطارها المتعددة في المجتمع، وتتكفل الجهة الحكومية العامة بتدريب وتنمية الموظف، كما تضمن مسار وظيفي وسلم الترقيات وفق شروط معينة، كذلك يتميز هذا النظام بجانب إنساني وتكافلي واضح (إذا توفي الموظف، أو أصابه مرض أو إعاقة....الخ يتقاضى راتبه أو جزء منه وبما يقيه شبح الفقر هو وعائلته)، وفي هذا النظام يشعر الموظف رابطة المواطنة، ويؤيد النظام السياسي الحاكم، ويكون ممنوناً له. ولكن مما يؤخذ عليه حالة التعقيد والتشعب في أنظمته ولوائحه ونماذجه وسجلاته، علاوة على شيوع السلبية لدى الموظف وغياب المبادرة والإبداع والابتكار؛ بسبب تمتعه بالأمن الوظيفي، علاوة على أنه نظام مكلف مالي؛ لكونه ملزماً بدفع مبالغ مالية كبيرة في: (الرواتب- معاشات التقاعد- أعباء الترقيات والعلاوات...الخ)، كذلك يؤدي هذا النظام المغلق إلى الترهل التنظيمي والتكدس الوظيفي وتعيين أفراد ليسوا على قدر من التأهيل والكفاءة المطلوبة؛ لاعتبارات سياسية واجتماعية فقط، دون حاجة واقعية وعملية لهم في المنظمات الحكومية... يتبع العدد القادم
د. عبد الملك المخلافي
كلية إدارة الأعمال
إضافة تعليق جديد