في وقتٍ تتسارع فيه وتيرة التقدم التقني ومنهجيات الابتكار، يبقى السؤال الأزلي: كيف يتم تحويل فكرة بسيطة إلى منتج متكامل له قيمة حقيقية في السوق؟ هذه الرحلة التي تبدأ من لحظة الإلهام، وتمر بمراحل عديدة حتى وصول المنتج إلى المستهلك النهائي هي في الحقيقية عملية معقدة ومهمة فتطوير المنتجات ليس مجرد تحد تقني فقط، بل هو فكر وفن وعلم تجتمع لحل مشكلات حقيقية، وتلبي الاحتياجات والرغبات بطرق مبتكرة وفعالة.
يمثل البحث والتطوير (R&D) نقطة الانطلاق في رحلة تطوير وابتكار المنتجات حيث يتم في مرحلة البحث العلمي استكشاف الأفكار الجديدة ومراجعة الاكتشافات العلمية بعيدا عن الضغط المباشر لتحقيق عائدات تجارية فورية. ومن ثم، يأتي دور تطوير المنتج حيث تتخذ هذه الاكتشافات أو الأفكار أو الاختراعات شكلاً قابلاً للتطبيق في السوق. الهدف هنا ليس فقط إنتاج شيء جديد، بل إنتاج شيء يُلبي حاجة محددة، أو يُقدم حلًا لمشكلة قائمة بطريقة مبتكرة. بل ربما يفتح البحث والتطوير سوقا جديدا لمنتج جديد يحل محل المنتج القديم، أو يفتح مجالا لتطبيقات غير مسبوقة.
يعد البحث والتطوير العمود الفقري للابتكار والتقدم في مختلف الصناعات والمجالات. ويُشير هذا المصطلح إلى النشاطات المنهجية التي تُجرى بغرض زيادة المعرفة - تلك المعرفة التي يُمكن استخدامها لتطوير منتجات جديدة وعمليات جديدة أو تحسينات على المنتجات والعمليات القائمة. يُعتبر R&D استثمارًا في التقنية والمستقبل الذي يُساعد الشركات على التكيف والتنافس في الأسواق المتغيرة. البحث العلمي يتضمن البحث الأساسي الذي يُركز على اكتساب معرفة جديدة وفهم أعمق للمفاهيم الأساسية دون التفكير المباشر في تطبيقات عملية. ويتضمن كذلك البحث التطبيقي الذي يُعنى بتوظيف هذه المعرفة لحل مشكلات محددة. تعتبر هذه المرحلة حاسمة ومهمة؛ لأنها تُمهد الطريق للابتكارات المستقبلية وتوفر الأساس الذي يُبنى عليه تطوير المنتجات. كما يعني تطوير المنتجات بتحويل الاكتشافات العلمية والأفكار النظرية إلى منتجات جديدة أو تحسين المنتجات والعمليات القائمة. هذه المرحلة تشمل عدة خطوات أو مراحل تشمل تطوير المفهوم وتصميم النظام والتصميم التفصيلي للمنتج وبناء النماذج الأولية والاختبارات والتحسين والإنتاج التجريبي والإنتاج النهائي الذي يلبي احتياجات السوق، ويفي بمتطلبات العملاء. يجب التنبيه إلى أن البحث العلمي وتطوير المنتجات يتكاملان بطريقة تُمكن الشركات من الابتكار والتطوير المستمر لمنتجاتها وعملياتها.
يُعتبر تطوير المنتجات الناجح عملية صعبة تتجاوز مجرد تحقيق الربحية إلى التفاعل المعقد بين عدة عوامل حاسمة. تبرز خمسة أبعاد رئيسية في قلب عملية تطوير المنتجات، وتمثل دورًا محوريًا في تقييم جهود التطوير وجميعها تصب في النهاية في تعزيز الربحية للشركات. الأول هو جودة المنتج حيث تُعد الجودة العالية عاملاً رئيسيًا في تحقيق حصة سوقية كبيرة وتمكين الشركة من وضع أسعار أعلى مما يساهم في زيادة الربحية. تأتي التكلفة بعد ذلك حيث تُحدد تكلفة تصنيع المنتج كيفية تحقيق الشركة لأرباحها، وتؤثر على تنافسية المنتج في السوق. أيضًا وقت التطوير يُعد عاملاً مهما، فكلما قل وقت التطوير كلما استطاعت الشركة الاستجابة بشكل أسرع للمنافسة؛ مما يعزز من ميزتها، ويسرع من تحقيق العوائد. إضافة إلى ذلك تمثل تكلفة التطوير النفقات الكلية خلال عملية التطوير، والتي يجب إدارتها بفعالية لضمان تحقيق عائد استثمار مُرضٍ. أخيرًا، يعتبر تعزيز القدرة على التطوير أصلاً استراتيجيًا يساعد الشركة على تحسين كفاءة وفعالية عمليات تطوير المنتجات في المستقبل. بالإضافة إلى تلك الأبعاد الاقتصادية، من المهم أيضًا مراعاة أصحاب المصلحة الآخرين مثل فريق التطوير والمجتمع المحلي؛ مما يضيف محورا آخر للتعقيد في عملية تطوير المنتجات الناجحة.
الاستثمار في البحث والتطوير يُعتبر أساسيًا للابتكار والنمو طويل الأجل لأي شركة، فمن خلال البحث والتطوير، تستطيع الشركات استكشاف تقنيات جديدة وتطوير منتجات جديدة وتحسين العمليات والبقاء في طليعة المنافسة. لا يُساعد البحث والتطوير فقط في تحسين المنتجات والخدمات القائمة، بل يُعزز أيضًا من قدرة الشركة على دخول أسواق جديدة وخلق فرص عمل جديدة، ويعتبر القوة الدافعة وراء الابتكار المستدام والتقدم التقني الذي يُمكن أن يُحدث ثورة في الصناعات، ويُحسن من نوعية الحياة. من الجدير بالذكر أن تطوير المنتجات يمكن أن يحدث أيضًا داخل الشركات الاستشارية والجامعات والمنظمات غير الربحية؛ مما يعكس الأهمية الكبيرة لهذه العملية عبر مختلف القطاعات والأطر المؤسسية.
أ.د. عبدالرحمن بن مشبب الأحمري
أستاذ الهندسة الصناعية
إضافة تعليق جديد