إن الباعث للقيام بعمل هو الإيمان بذلك العمل وأهميته، ومن يسلك طريقا قد يكون (وعرًا) وهو يعلم بطبيعته الصعبة؛ تجده يصبر حتى الوصول لنهاية ذلك الطريق، كون أن نهاية ذلك الطريق موصلة لغاية يتغياها سالك الطريق، مما يحتم عليه السير بخطى ثابتة، متقبلًا لما يقابله في ذلك الطريق من صعوبة ووعورة، حتى يصل إلى غايته، متناسيًا بعد ذلك كل مُرٍ مَر به. وكذلك هو حال الطالب الجامعي عمومًا، وحال باحث الدراسات العليا تحديدًا.
في واقع الأمر، إن الباعث لإكمال الدراسات العليا وبداية هذه المرحلة، لم يكن فقط لأجل التحصيل العلمي بعينه، بل لأجل أن هذه المرحلة العلمية هي أساس تقوم عليها الكثير من الأسس، ومكسبٌ جالبٌ لعدةِ مكاسب، وسبب مُسبب لأسبابٍ بالتحصيل العلمي في مرحلة الدراسات العليا، يتطلب مهارة البحث العلمي ويقوم عليها، وينميها في الوقت نفسه، مما يعني أن تلك المهارة متطلب في جميع جوانب هذه المرحلة، مما يترتب عليها تباعًا صقل تلك المهارة، وبالتالي يقوم عليها ويشتق منها مهاراتٍ أخرى، وهذا يعني أن مرحلة الدراسات العليا هي مرحلة تنمية مهارات من جانب، واكتساب مهارات من جانب أخر، ومع الممارسة المستمرة لتلك المهارات المتعددة أثناء مرحلة الدراسة، تتطور المَلكة العلمية، التي هي الأساس الذي تقوم عليه الممارسات العلمية والعملية.
إن دور مرحلة الدراسات العليا بجهود باحثها، لها أثر واضح ودور كبير في العملية التعليمية، فهي مرحلة تبادل المعارف والخبرات بين الطلبة وأساتذة المقررات من جهة، وكذلك تبادل المعرفة بين الطلبة أنفسهم من جهة أخرى، مما يعزز دور جميع الأطراف؛ لتحقيق الأهداف التي ستعود بالفائدة على الجميع.
لا يخفى على مُطلع عمق مرحلة الدراسات العليا، وثقلها المعرفي، والتحديات التي تتخللها، والمسؤوليات التي تلقيها تلك المرحلة على عاتق باحثها، مما يحتم على الباحث اكتساب مهارة العمل تحت الضغط، وإدارة الوقت، وترتيب الأولويات، وتنظيم المهام، لاسيما إذا كان يقوم بأعماله الوظيفية، وإنجاز مهامه الدراسية في آن واحد.
وبطبيعة الحال فإن المهارات المكتسبة تتعدد وتتفاوت من طالبٍ إلى أخر، فمهارة البحث تجعل من القائم بها أسرع مهارة للوصول إلى المعلومة واستنباطها، حتى وإن كانت المصادر فيها قليلة، ثم يأتي دور مهارة التحليل، والتي يتناول فيها الباحث تحليل المعلومة، ليتنقل بعدها إلى مرحلة النقد وإبداء الرأي، وهذه المهارات وغيرها، تُدار وتتم بواسطة المهارة الأساس وهي مهارة إدارة الوقت، فالوقت في حقيقته هو كافِ للقيام بكل الأعمال وإنجاز المهام المتعددة، ولكن المهم أن نتعامل مع الوقت بوعي كافِ وتنظيم عالِ؛ حتى نحقق جميع الأهداف بتوازن غير مخل بالجوانب الأخرى.
وتأسيسًا على ما سبق، وتأكيدًا له، ولكون أن لكل بداية نهاية، ولما للمهارات من أهمية، فإن بلوغ نهاية المرحلة يأتي تأكيدًا لإتقان تلك المهارات المكملة لبعضها البعض. وأننا الآن بصدد الوصول إلى النهاية، وبلوغ الغاية التي ابتغيناها من البداية -بتوفيق الله-، لنلتمس بهذه الدرجة العلمية طريقًا للعلم، يسهل الله لنا به طريقًا إلى الجنة -بمشيئة الله.
عمر الشهري
كلية الحقوق والعلوم السياسية
إضافة تعليق جديد