لماذا نراجع الأدبيات؟!

 

كنت أناقش أحد طلاب الدراسات العليا حول المسودة البحثية المقدمة وتركزت معظم تساؤلاتي حول مراجعة الأدبيات والأطر النظرية في البحث وطبيعة الدراسات السابقة وأسباب اختيارها ومدى كفايتها وملاءمتها للقضية البحثية. تساؤلات عديدة جاءت دفعة واحدة وفي وقت كان الطالب ينتظر مني أسئلة حول النتائج التي توصل لها في البحث ليبدي استغرابه من التركيز على الأطر النظرية ويتساءل عن جدوى مراجعة دراسات سابقة؟ وأسباب عدم البت في جمع البيانات وتحليلها مباشرة دون مراجعة الأطر النظرية؟ هذا التساؤل المشروع أعاد لذاكرتي تساؤل آخر كنا نسأله دوماً لمدرس الرياضيات عن أسباب دراسة مادة الرياضيات في ظل وجود الآلة الحاسبة؟ في الحقيقة، يتعامل بعض الباحثين مع «مراجعة الأدبيات» باعتبارها تلخيص لمفاهيم نظرية أو دراسات سابقة يتم عرضها باستفاضة كمتطلب من مكونات الورقة البحثية أو الرسالة العلمية. إن مراجعة الأدبيات والمفاهيم النظرية هي جزء هام في البحث؛ لأنها تعد بمثابة تحليل نقدي لما تم تناوله في الدراسات السابقة والأطر النظرية. يتم صياغة هذا الجزء من البحث بأسلوب التوليف المنظم -وليس التلخيص- استناداً إلى تحليل مجموعة واسعة من الأدبيات ذات العلاقة بموضوع البحث. مراجعة الأدبيات تفيد الباحث في فهم ما انتهى إليه الآخرون واستيعاب الفجوة البحثية التي لم يتم تغطيها بشكل واسع في الدراسات السابقة. يحرص الباحث في هذه المرحلة على اختيار أحدث الدراسات النظرية وأكثرها موثوقية؛ إذ لا يمكن الاعتماد على بيانات مجهولة المصدر أو متحيزة أو ليست رسمية. كما أن المراجعة الجيدة للأدبيات تساعد الباحث على وضع الإطار المنهجي للبحث وتجنب التكرارية في معالجة القضايا البحثية وهو ما يعزز أصالة البحث. ومع ذلك، يقع العديد من الباحثين في إشكالية استنباط المفاهيم النظرية والبناء عليها في الإطار المنهجي حيث تُسرد العديد من المواضيع التي ليست لها علاقة وثيقة بالقضية البحثية. فعلى سبيل المثال، عندما يكون بحثك في مجال تطوير صناعة الطائرات فليس من المنطقي أن تبدأ في البحث دون أن تفهم أولاً مكونات صناعة الطائرة لتبني على ذلك في المنهج البحثي. وعندما تتناول موضوع الازدحام المروري فليس من المنطقي أن تضيع وقتك وجهدك في مراجعة تاريخ ومراحل تطور السيارات. تناولك لمثل هذه المواضيع يستنزف جهداً ووقتاً فضلا انه يقع خارج إطار القضية البحثية فحرص على الانتقائية في سرد المعلومات والبحوث السابقة دون إسهاب مُمل. وختاماً، عليك أن تُحلل الدراسات النظرية والطرق الحديثة لمعالجتها وصولاً لثمرة تقودك لتطوير إطار منهجي قوي تبني عليه دراستك.

 

د. وليد الزامل

أستاذ مشارك في قسم التخطيط العمراني

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA