اختيار التخصص الجامعي هو أحد أهم القرارات الهامة التي يتخذها الطالب في بداية رحلته الأكاديمية. هذا القرار ليس مهما فقط لمستقبل الطالب الأكاديمي، بل له أهمية كبيرة وتأثيرٌ بالغ على حياته المهنية المستقبلية والشخصية. فعلى الطالب أن يعي أهمية ذلك القرار والذي يجب أن يتناسب مع اهتماماته وقدراته ورغباته وأن يكون هذا القرار نابعًا من فهم عميق لذاته ولأهدافه المستقبلية. فمن أهم الأمور التي يتعين على الطالب التفكير فيها قبل التفكير في التخصصات الجامعية المتاحة هو أن يفهم نفسه بشكلٍ أفضل. هذا يشمل التعرف الدقيق على الإهتمامات الشخصية والقدرات والميول والأهداف المستقبلية. فعندما يعرف الطالب ما يرغب (الميول أو الرغبة) وما هو قادر على القيام به (قدراته) يصبح من السهل عليه تحديد نطاق التخصصات الجامعية المتاحة والمناسبة لميوله وقدراته وربما يتطلب فهم الذات شيء من التأني والبحث والتأمل مما يقود الطالب إلى الإجابة عن أهم التساؤلات في هذا الجانب ومنها: ما هي المقررات الدراسية التي يميل إليها؟ وما هو مستوى قدراته في تلك المقررات؟ وما هي المجالات التي يشعر بالشغف والميول تجاهها؟ وما هي نقاط القوة والضعف عند الطالب؟ هذه الأسئلة يمكن أن تساعد في توجيه الطالب نحو إختيار التخصص الجامعي الذي يناسبه ويتفق مع قدراته وشغفه .
بعد أن يتعرف الطالب على نفسه بشكلٍ أفضل من خلال الرغبة والقدرة ونقاط الضعف ونقاط القوة يجب عليه أن يبحث وأن يكتشف التخصصات الجامعية المختلفة والمتاحة التي تقدمها الجامعات من خلال الدخول على مواقع الجامعات والتخصصات الأكاديمية وقراءة وصف البرامج وحضور المحاضرات التعريفية بالتخصصات والتواصل مع ذوي الخبرة وكذلك الطلاب الذين يدرسون تلك التخصصات والسماع للمحاضرات العلمية المسجلة عن تلك المجالات العلمية. كل ذلك سوف يمكنه من الحصول على فكرة واضحة حول ما إذا كان التخصص يناسبه أم لا. أيضًا من المهم أن يستفيد الطالب من الخبرات في الجامعة وذلك بالتواصل مع الأساتذة والمرشدين الأكاديميين والمستشارين المهنيين للحصول على وتوجيهات حول التخصصات المختلفة والإجابة على التساؤلات التي تدور في ذهن الطالب حول التخصص الجامعي. الأساتذة غالبًا ما يكون لديهم فهم عميق لمتطلبات كل تخصص والفرص المهنية التي يمكن أن يقدمها. كل ذلك يساعد الطالب على اتخاذ قرارٍ صائب يتناسب مع قدراته ورغباته وأهدافه المستقبلية.
أيضًا، من الأهمية بمكان عندما يختار الطالب تخصصه الجامعي أن يأخذ بعين الإعتبار مدى تأثير هذا التخصص على حياته المهنية بعد التخرج من الجامعة مما يستدعي أهمية البحث عن الفرص الوظيفية المتاحة لذلك التخصص ومعرفة حجم الطلب المتوقع على خريجيه في سوق العمل وأن يعرف ما هي المراتب والرواتب المتعلقة بذلك، حيث أن فهم السوق الوظيفي للتخصص الجامعي يساعد الطالب في اتخاذ قرار متزن يوازن بين رغباته الشخصية ودخله المالي المستقبلي بعد التخرج. كما يعتبر أيضًا التوازن بين الشغف الشخصي والقدرة العلمية وكذلك المستقبل العملي أحد أهم التحديات التي يواجهها الطالب عند إختيار التخصص. فالشغف والميول وحده قد لا يكون كافيًا إذا كان التخصص الذي يختاره الطالب لا يتناسب مع قدراته أو لا يقدم الفرص الوظيفية الجيدة. كما يجب أن يدرك الطالب أن اختيار التخصص الجامعي ليس قرار ثابت لا يمكن أن يتغبر فقد يكتشف الطالب بعد البدء في دراستة الجامعية أن التخصص الذي اختاره ليس مناسبًا له من ناحية الشغف الشخصي أو القدرة مما يستدعي إعادة التفكير في تغيير مجال الدراسة إذا شعر أن اختياره الأول لم يكن مناسبًا وأن التغيير يصب في مصلحته الأكاديمية والمهنية. قد يكون تغيير التخصص من الأمور الصعبة عند الكثير من الطلاب ولكنه قد يكون مهم لضمان تحقيق النجاح والتميز في المستقبل والمواءمة مع الأهداف والطموحات.
بالإضافة إلى ما سبق لابد أن يفهم الطالب تأثير تخصصه الجامعي على حياته الشخصية والاجتماعية في المستقبل فبعض التخصصات قد تتطلب بيئات عملٍ خاصة أو أعمال ميدانية لساعات طويلة أو تنقلات مستمرة مما قد يؤثر على نمط الحياة المستقبلية والعلاقة بالآخرين لتحقيق النجاح والسعادة والتوازن على المدى الطويل. على الطالب أن يسأل نفسه: أين يرى مكانه بعد خمس أو عشر سنوات؟ وكيف يمكن لقرارٍ اختيار التخصص الجامعي أن يساعده في تحقيق رؤيتة؟
وأخيرًا، على الطالب أن يعلم أن من أسباب النجاح والتميز هو الثقة بالنفس عند اتخاذ قرار اختيار تخصصه الجامعي. فعندما يختار تخصصه بناء على البحث والتفكير في جميع العوامل المتعلقة بذلك فعليه أن يثق في قراره وأن يكون مستعدًا للعمل بكل جد واجتهاد لتحقيق أهدافه الأكاديمية والمهنية وأن يواجه التحديات التي قد تظهر له خلال مرحلة الدراسة .
أ.د. عبدالرحمن بن مشبب الأحمري
قسم الهندسة الصناعية
إضافة تعليق جديد