قبل أن يتولى عمر بن عبدالعزيز الإمارة كان يقول لزوجه فاطمة: يا فاطمة إن لي نفساً تواقة تشتاق إلى الإمارة. فتولاها، فلما تولاها ارتفعت الهمة، فقال لها: يا فاطمة إن لي نفساً تواقة تشتاق للخلافة. فتولاها، فأصبح أميراً على المسلمين، أميراً على أكثر من أربعين بلداً من بلاد الإسلام والمسلمين، دانت مشارق الأرض ومغاربها تحت إمارته.
فلما بلغ الخلافة ارتفعت الهمة، فقال لها: يا فاطمة إن لي نفساً تواقة تشتاق إلى الجنة، فسعى من أجل الجنة وعمل لها، ولما كان في ساعات احتضاره في نهار العيد أمر الناس بالخروج فخرجوا من عنده فسمعوا قارئاً يقرأ: )تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ( القصص:83.
ولو سأل سائل كيف ترتفع الهمة وما السبل الرئيسية لتحقيق ذلك؟ فالجواب أن تحديد الهدف وإخلاص العمل والإقبال على الله وقراءة قصص الأبطال وتمثُّل سيَرِهم، كل ذلك يعد أسباباً رئيسية لرفع الهمم.
أولاً لا بد أن نحدد لحياتنا هدفاً، وأن نجعل لحياتنا قيمة، كثير من الناس حياتهم كالعدم، بل فقدهم أحسن من وجودهم، ماذا قدموا لأنفسهم، وماذا قدموا لدينهم، وماذا قدموا لأمتهم، يأكلون ويشربون ويتمتعون كما تأكل الأنعام، هذا همهم وهذه حياتهم.
أما أصحاب الهمم العالية فلهم هدف ولهم مقصد، هدفهم أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، يحيون ويعيشون ويموتون من أجل هذا، فإذا تحدد الهدف وضح الطريق.
ترتفع الهمم أيضاً بإخلاص العمل والإقبال على كتاب الله، فالقرآن هو الذي صنع الجيل الأول، ونحن اليوم في بعد عن القرآن لا يعلمه إلا الله، ألهونا بالأغاني والشاشات والقنوات، هدفهم إبعادنا عن مصدر عزنا ومصدر قوتنا الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي».
كما أن قراءة أخبار الرجال وسير الأبطال سبب لرفع الهمة. كما أن من شب على شيء شاب عليه، فمن شب على طاعة شاب على طاعة ومات على طاعة وبعث على طاعة بإذن الله، والأعمال بالخواتيم.
فيا أيها الشاب! اعمل فإنك في زمن القوة، ويا أيها الشيخ الكبير! اعمل فأنت في زمن الإمهال، فالأعمار معلومة والآجال محدودة، وسينال كل منا زرع ما حصد، إما أن توصلك همتك العالية إلى أعلى الدرجات، أو تودي بك في الدركات، فاسألوا الله الهمة العالية، واطلبوا العون على مرضاته.
إضافة تعليق جديد