لاشك أن عنصر الإدارة له دور هام في تنسيق الخدمات الصحية والارتقاء بمستواها إذا كانت الإدارة ناجحة وفعالة، ولكن من الملاحظ أن الوحدات الصحية خصوصاً المستشفيات الحكومية تمثل مشروع عمل ضخماً ومعقداً، فهي تضم العاملين من مختلف المستويات؛ فهناك الجهاز الفني من الأطباء والممرضين والأخصائيين، وهناك الجهاز الإداري والخدمي؛ فضلاً عن ذلك المستفيدون من الخدمة الذين يدخلون في علاقات عمل مع كافة هذه الأجهزة.
لذا ينظر المنهج البيئي في علم الإدارة إلى أي منظمة في أي مجتمع على أنها جزء من ذلك المجتمع تتفاعل مع مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية والمناخية والثقافية المحيطة بالمنظمة؛ بمعنى أن المنهج البيئي ينطلق من قاع المجتمع إلى قمته من عناصر المناخ والموقع إلى الأفراد الذين يعيشون فيه من حيث حجم السكان وعلاقاتهم ومعلوماتهم وتوزيعهم الجغرافي وطرق التعامل الاجتماعي وأساليب حياتهم.
وقد ذكر العالم «فريد يجز» في نظريته المنشورية حول المجتمعات النامية الانتقالية على سبيل المثال، بعض الصفات التي يتصف بها النظام الإداري في تلك المجتمعات، ومنها:
- المحسوبية: فصلة القرابة لها تأثير على القرارات الإدارية وذلك عندما يقدم الموظف لقريبه مميزات لا يقدمها للشخص العادي، وكثيراً ما يقوم هذا الموظف بتجاوز الأنظمة واللوائح أو تكييفها لصالح قريبه، ويعطي أولوية في منح الخدمة التي يتولاها للمستفيدين الذين يرتبط مهم بروابط أسرية أو روابط صداقة أو ارتباط جغرافي، ويضيف العالم «فريد يجز» أن لهذه العلاقات في الدول النامية أثراً واضحاً في سير العمل الإداري وفي صنع القرارات واتخاذها وفي مستوى الخدمة المقدمة.
- المركزية: توجد مركزية إدارية شديدة في الدول النامية في الجهاز الإداري على اختلاف مستوياته وتنظيماته، وقد يكون للنظام الاجتماعي وهيكل نظام القبيلة والعائلة دور في ذلك، فتمركز الخدمات في المدن الرئيسية يشل قدرة المناطق النائية في تقديم الخدمات للأفراد مما يجعلهم عاجزين في التعامل مع الحالات، وينتظرون موافقة من السلطات المركزية، فكلما تجاهلت المنظمة العوامل البيئية كلما واجهت أزمات وصعوبات.
ويمكن تفسير وتحليل المشكلات التي تواجه المرضى المنتقلين من مناطق المملكة إلى المدن الرئيسية من أجل العلاج في المستشفيات التخصصية التي تحدثنا عنها في مقالات سابقة، بأن العمل الإداري داخل المنظمات الصحية إذا نتشرت فيه محسوبية «واسطة» في التعامل مع الحالات المرضية وتقديم مريض على حساب مريض آخر في أمس الحاجة إلى الرعاية العلاجية أو التحويل إلى المستشفيات التخصصية، فإن ذلك سوف يؤدي إلى تفاقم مشكلات المرضى.
كذلك إذا اتسمت الإدارة الصحية بالمركزية الشديدة في اتخاذ قرارات تحويل المرضى من محل إقامتهم إلى المدن الرئيسية سيكون ذلك على حساب الحالة الصحية لهم.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، وإلى اللقاء.
د. علي بن أحمد السالم
المدينة الطبية الجامعية
إضافة تعليق جديد